عبير نعمة في "كازينو لبنان": الفنّ في أعلى مراتبه - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عبير نعمة في "كازينو لبنان": الفنّ في أعلى مراتبه - وضوح نيوز, اليوم الاثنين 15 ديسمبر 2025 07:25 صباحاً

ما إن أُطفئت الأنوار، حتى انسحب الهمس من الصالة، وصعدت عبير نعمة إلى المسرح، تُحيّيها آلاف الأيادي المصفّقة وتفرش لها المسرح عرشاً. جاءت بكلّ تلك الطمأنينة الهائدة، وبكلّ ذلك الإيمان الصلب. راحت تتهادى أمامنا، تسكب نفسها، تُعطينا أعظم مواهبها، وتُعيد تشكيل ليلنا.

عبير التي انساب صوتها من حنايا الكنائس، من القرى الوديعة التي تتنفّس البخور وتُحيي الليل ترنيماً، جدّدت اللقاء في "كازينو لبنان" ليل السبت، بعد حفل آذار/مارس الماضي، وحلّت أيقونةً مكتملة العناصر: أناقة ليس فيها مِن تصنّع، حضور يسبق أداءها كالوميض، وابتسامة فيها من الطيبة ما يكفي لتليين القلوب. ذلك المساء، كان صوتها طاقة حيّة، كائناً يتنفّس ويكبر ويشتعل.

تمتدّ طبقاتها الصوتية على امتداد الفضاء الرحب؛ تعلو بخفّة، تهبط بثقة، وتراوح بين القرار والجواب. تتجوّل عبير داخل حديقة حفظت تفاصيلها عن ظهر قلب. في امتدادها الصوتي رياضة روحية، ومع كلّ قفلةٍ ولدت دهشة جديدة، وسرت في الصالة موجة حبور ورضى... عبير تُدرك مكانتها عند جمهورها، ولا تُخيّب ظنّهم.

 

عبير نعمة في “كازينو لبنان“.

عبير نعمة في “كازينو لبنان“.

 

الجمهور مفتون، مسلوب التركيز، يتماهى. عيون لامعة، وجوه مبتسمة، أصابع تطرق شاشات الهواتف لتقتنص لحظة مجدٍ وهفوة صغيرة تُبدّل فيها عبير بعض كلماتها، تليها ضحكة خجولة ترتسم على وجهٍ فيه من الطيبة ما يُغازل طيبة الأطفال. غنّت أغنيات من أرشيفها، بعضها يعود زائراً مُفجئاً، وبعضها يُعيدنا إلى لحظات دفينة، منها ما أردنا له النسيان، ومنها ما نشقى إن نسيناه. نرجع معها إلى "يا ترى"، الأغنية التي وضعت موسيقاها بنفسها وأطلقتها قبل نحو ثماني سنوات، ونُعرّج عند "قصتنا" الحديثة نسبياً، والتي تُغنّيها بانسيابيّة ورقّة، ثم تأتي محطّة "بلا ما نحس" التي تُلهب الصالة كما العادة. ولا يمكن لعبير إلا أن تقود جمهورها في رحلة مع الموسيقى العالمية بصوتٍ أوبرالي، فغنّت "نشيد الحبّ"، رائعة إيديث بياف، إلى جانب مغنّيات من Les Solistes de Beyrouth بقيادة المايسترو فرنندو عفارة.

في لحظة إنشاد "آفي ماريا" (السلام عليكِ يا مريم) - ضمن جزء مخصّص لعيد الميلاد - عند بلوغ أحد التجليات الصوتية، سرت قشعريرة حقيقية في القاعة؛ ذلك النوع من الارتجاف الذي يُكرّم الموهبة ويُمجّد خالقها. عيناها نحو السماء لا تتحرّكان، تُنشد السلام لمريم العذراء، وتدخل انخطافاً حلواً، وتحتضن نفسها بخفّة، أصابعها تنساب على فستانها الأحمر. والجمهور يستوي في المقاعد، الأفكار تحتشد وترتقي إلى الخالق مُنزَّهةً، وقلوبهم ترتجف وتُصلّي. إنه ذلك الارتجاف الذي يصدر حين يلامس الفن جوهر الإنسان وحقيقته.

عبير نعمة ما جاءت مطربةً تؤدّي برنامجاً غنائياً؛ كانت امرأة تصنع لنفسها إقليماً أكبر من المسرح، وتُشيّد جسراً بين ما تعيشه وما نعيشه نحن. "أحبّكم كثيراً؛ لا تعلمون ما مررت به في اليومين الماضيين، حتى أنني لم أكن واثقة من قدرتي على الغناء"، قالت لجمهورها في لحظة صدق ومحبّة، "لكن ما إن أراكم وأتلقّى هذه الطاقة الجميلة، حتى أشعر بأنني في نعمة حقيقية. محبتكم تحميكم وتحميني". كانت تقف على الخشبة بثقة مَن يعرف أنّ الطريق لم يكن سهلاً، ومع ذلك صار التعب درساً والشكّ دافعاً لتصبح ما أصبحت عليه: فنانة حقيقية، تبني مجدها بنعمها لا بضجيجها، وبإيمانها لا بادّعائها.

منحتنا عبير فرصةً لنصدّق أنّ الفن ما زال قادراً على احتضاننا، على رفعنا من يومنا العادي إلى مكان أوسع وأبهى. غنّت كما لو أنّها تعيد تعريف نفسها، وفي أغنياتها وعودٌ بالاستمرار، وشهادة على أن الإيمان الصادق يتجلّى على وجه المؤمن. قدّمت، خلال ساعتين، درساً في كيف يمكن لصوت واحد، حين يكون صادقاً وعميقاً، أن يصنع عالماً كاملاً.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق