بين سيدني وتدمر.. صعود الكراهية وسقوط الضحايا في زمن الصراعات الكبرى - وضوح نيوز

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين سيدني وتدمر.. صعود الكراهية وسقوط الضحايا في زمن الصراعات الكبرى - وضوح نيوز, اليوم الاثنين 15 ديسمبر 2025 08:10 صباحاً

العالم لا ينفجر فجأة، بل يتشقق ببطء، ثم ينهار دفعة واحدة، ما بين هجومٍ دموي على احتفال ديني في أستراليا، وكمينٍ مسلح يستهدف قوات أمريكية في سوريا، لا يمكن التعامل مع المشهد بوصفه سلسلة حوادث منفصلة.

نحن أمام سياق عالمي تُدار فيه الكراهية كما تُدار الحروب، وتُنتقى فيه الضحايا وفق خرائط النفوذ، لا وفق ميزان العدالة.

هنا، لا يصبح العنف استثناءً، بل نتيجة منطقية لسياسات مختلّة تُقدّس رواية وتُجرّم أخرى.

في مدينة سيدني الأسترالية، وخلال احتفال ديني يهودي بمناسبة عيد الحانوكا (عيد الأنوار)، تعرّض تجمع للمحتفلين لهجوم مسلح عنيف، أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، في حادثة صدمت المجتمع الأسترالي ووصفت رسميًا بأنها هجوم معادٍ للسامية.

عيد الحانوكا، الذي يرمز في الوعي الديني اليهودي إلى الصمود والنور في وجه الاضطهاد، تحوّل في لحظة إلى مسرح دم، حيث اختلطت رمزية الاحتفال الديني بعنفٍ عابر للحدود.

الدولة سارعت إلى الإدانة، والإعلام الغربي قدّم الحادث بوصفه اعتداءً على قيم التعايش والتعددية.

توصيف صحيح أخلاقيًا، لكنه يظل ناقصًا سياسيًا ما لم يُطرح السؤال الجوهري: كيف تتغذى الكراهية داخل مجتمعات يُفترض أنها مستقرة؟ وكيف تتحول النزاعات البعيدة إلى شروخ داخلية في قلب الغرب؟

بالتوازي، وفي سوريا، وقعت حادثة أمنية خطيرة تمثلت في كمين مسلح استهدف دورية للقوات الأمريكية في إحدى مناطق التوتر، وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين.

الحادث وُضع فورًا ضمن إطار «الحرب على الإرهاب»، مع وعود بالرد والحزم، في بيئة لا تزال تعاني من هشاشة أمنية رغم تغيّر خرائط السيطرة وتبدّل موازين القوى.

غير أن ما غاب عن السرد الرسمي هو السؤال الأعمق: ما الذي يجعل أرضًا ما تظل قابلة للاشتعال بعد أكثر من عقد من التدخلات العسكرية؟ ولماذا يُنظر إلى هذه الخسائر بوصفها “ثمنًا ضروريًا” لا بوصفها فشلًا بنيويًا في إدارة الصراع؟

الربط بين حادث سيدني وحادث سوريا لا يهدف إلى المساواة بين الفعلين، بل إلى تفكيك منطق التعامل مع العنف.

في أستراليا، يُقرأ الهجوم باعتباره جريمة كراهية دينية تهدد النسيج الاجتماعي. في سوريا، يُقرأ الهجوم باعتباره واقعة أمنية ضمن مسرح عمليات مفتوح.

الفرق هنا ليس في الدم، بل في طريقة تأويله، الضحية في الغرب تُستدعى لها الأخلاق، والضحية في الشرق تُستدعى لها السياسة.

هذه الازدواجية ليست تفصيلًا عابرًا، بل أحد أهم منابع العداء المتراكم، خصوصًا حين يُقدَّم العربي والمسلم دائمًا بوصفه «سياقًا أمنيًا» لا إنسانًا كامل الحقوق.

العداء للعرب لم يعد مجرد تحامل ثقافي أو خطاب شعبوي، بل أصبح بنية سياسية وإعلامية متكاملة.

شيطنة الهوية باتت ممارسة يومية، حيث يُختزل العربي في صورة المهاجر المشكوك فيه، أو الخطر المحتمل، أو المادة الخام لخطابات الأمن.

تُدان الكراهية حين تضرب الداخل الغربي، لكنها تُبرَّر أو تُهمَّش حين تكون نتيجة مباشرة لتدخلات عسكرية، أو دعم أنظمة قمعية، أو سياسات خارجية فاشلة.

أما القانون الدولي، فيُفعَّل حين يخدم الأقوياء، ويُعلّق حين يطالب به الضعفاء، ما يرسّخ شعورًا عالميًا بأن العدالة انتقائية، وأن الدم ليس متساويًا في ميزان السياسة.

في الفلسفة السياسية، حين تفشل الأنظمة في تحقيق العدالة، تلجأ إلى إدارة الخوف.

يُصنع “العدو الدائم” لتبرير القمع، وتوسيع النفوذ، وإدامة حالة الطوارئ. العرب، في هذا السياق، باتوا الآخر الجاهز: «تاريخ استعماري لم يُحاسَب، حاضر مثقل بالحروب، ومستقبل مؤجَّل على موائد المصالح الدولية».

ما بين سيدني وتدمر، الرسالة واحدة: حين تُدار السياسة بلا أخلاق، تتكلم الكراهية بلغة السلاح.

إدانة العنف واجب أخلاقي لا نقاش فيه، لكن فهم جذوره واجب سياسي لا يقل أهمية. ومن دون عدالة شاملة لا تنتقي ضحاياها ولا تفرّق بين دم وآخر، سيظل العالم يدور في الحلقة ذاتها، وستظل الكراهية تغيّر وجوهها وأدواتها، دون أن تختفي.

(محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات)

اقرأ أيضاً
قصة بطل أستراليا.. «أحمد الأحمد» الذي تصدى لهجوم إرهابي في سيدني

استراليا.. تفاصيل مقتل وإصابة 42 شخصا خلال عيد الحانوكا اليهودي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق