تقبيل الضفادع... السباق بين الحروب واستيعابها - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تقبيل الضفادع... السباق بين الحروب واستيعابها - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 19 ديسمبر 2025 05:45 صباحاً

بدا المشهد غريباً.

 

دبابات روسية تتقدم في أوكرانيا وتعلو أبراجَها أقفاص حديدية. هذا كل ما كان الجيش الروسي قادراً على ابتكاره بعد فشله في احتلال كييف خلال الأسابيع الأولى للغزو. لكن السخرية تبددت سريعاً.

 

صحيح أن الأقفاص لم تتمكن من تخفيف أضرار الصواريخ الغربية المضادة للدروع. لكنها أثبتت قدرتها على تخفيف أضرار سلاح بات أوسع انتشاراً: المسيّرات. لهذا، راحت أوكرانيا وروسيا تطوران أقفاصاً أضخم وأوسع لحماية المدرعات. في الواقع، بات لبعض هذه المدرعات اسم جديد: الدبابة-السلحفاة.

 

 

حين تكون حياة الجنود على المحك، تتجاهل النجاة غرابة أو فرادة أدوات الحماية. هي تولي الأهمية للفعّال، لما يحمي، للناجح ميدانياً لا ورقياً. وهذا النجاح قد يكون عودة إلى الماضي، أو انفكاكاً عنه، أو الأمرين معاً. نيوتن استشرف المستقبل "بالجلوس على أكتاف عمالقة" الماضي، كما اعترف.

 

إن لم يكن صنّاع القرار قادرين على اختراع تكنولوجيا متقدمة ضد المسيّرات خلال الحرب، فمن الطبيعي أن يستعيضوا عنها، جزئياً، بكيلومترات من الشباك لحماية الطرقات والبنى التحتية الحساسة. إنه أيضاً مشهد لم يكن ليتخيله أحد قبل بضعة أعوام.

 

ويمكن التفكير بآلاف الخيوط التي تلمع تحت الشمس فوق سهول أوكرانيا. إنها الخيوط التي تربط آلاف المسيّرات العاملة على الألياف الضوئية بهدف واحد: التخلص من التشويش الإلكتروني. ليس في هذه الأدوات تطور تقني رائج وجذاب للمعارض والمنتديات. لكنها فعالة في كثير من الأحيان على الأرض، وهذا يكفي.

 

 

يقول العقيد المتقاعد من الجيش الأميركي جون أنتال إن "سرعة الحرب تتجاوز (سرعة) الإدراك البشري". وتلخص لعبة "القط والفأر" الكثير في سياق تطور الحروب وإجبارها صنّاع القرار على الابتكار، تحت طائلة الخسارة والموت. لكن اللافت حالياً أن تسارع التطور غير مسبوق.

 

والأرقام تحذّر

أظهر تقرير في موقع "ذا استراتيجيست" الأسترالي أنه في سنة 2022، دامت التكنولوجيا العسكرية الحديثة فوق الميدان الأوكراني نحو 7 أشهر، قبل أن تُستبدل. سنة 2023، تقلّصت هذه الدورة إلى نحو 6 أشهر. بحلول بداية 2025، دامت نحو 6 أسابيع.

 

وهذا هو الجانب السهل من العملية. بالإمكان سحب أو مواصلة استخدام المعدات بناء على فاعليتها. المشكلة في الكتيّبات التي تُدرّس للجنود والتي تُعدّل اختصاراً أو تُسحب من التداول، بعد تخطي الزمن لإرشاداتها.

 

إن عقلاً يتطلع بلا هوادة إلى استدامة المجهود الحربي، دفاعاً وهجوماً، مُعرّض للاستنزاف، مما يجعل عملية احتساب المخاطر أكثر عرضة للتعثر، ناهيكم عن ركونها إلى التحيزات المسبقة. يحدث ذلك تحت ضغط تقلص وقت اتخاذ القرار والذي يكاد يعانق الصفر. فكلما زادت سرعة هذه العملية زادت معها احتمالات تمتع الجيش بميزة تكتيكية... أو ارتكابه خطأ قاتلاً.

 

اِبتسِم للكاميرا

خلال الحرب الأهلية الأميركية، كان جنرال الاتحاد جورج ماكليلان ماهراً وشجاعاً. الجانب "المظلم" من شخصيته العسكرية أنه كان دائم التردد بسبب الخوف من ارتكاب الأخطاء. خلال حديث إلى زوجته، قال الرئيس الأسبق أبراهام لينكولن: "نحن على وشك أن يتم التقاط صورة لنا إذا استطعنا الانتظار بما يكفي... أشعر أنه لا ينبغي على الجنرال م أن يكون لديه أي مشكلة".

 

جورج ماكليلان (ويكيبيديا)

جورج ماكليلان (ويكيبيديا)

 

إذا كان الانتظار والتردد في أواسط القرن التاسع عشر مكلفين – وقد انتصر الجنرال توماس جاكسون في حملة وادي شيناندواه (1862) بعد استغلاله طبع ماكليلان – فكم بالأحرى في الوقت الراهن تحت سماء مكتظة بالمسيرات. وهذا من دون احتساب عامل الذكاء الاصطناعي، (ولهذه التكنولوجيا مبحث آخر)، في تسريع قدرة العدو على اتخاذ القرار.

 

تقبيل الضفادع

ثمة دراسة لمختبر أبحاث الجيش الأميركي (2018) تظهر أن غياب اليقين في الميدان قد لا يُنتج بالضرورة قراراً سيئاً، طالما أن الإنسان قادر على التعامل مع المعلومات بالاستناد إلى أكثر من طريقة تفكير وطريقة معالجة للمعلومات.

 

ويتحدث الأستاذ الجامعي في علم النفس التنظيمي والمستشار السابق في وزارة الدفاع آدم غرانت عن أن الابتكار يعتمد على "تقبيل المزيد من الضفادع حتى إيجاد الأمير المناسب". يقصد غرانت بهذه الكلمات في كتاب "المتميزون" أن المبتكرين الذين يعتمدون على الكمية في الإنتاج وعلى الأخطاء سينتجون في نهاية المطاف الحلول المطلوبة. وبينما قد لا يوافق الجميع على هذه النظرية في الابتكار، تُبيّن دراسة لكلية الحرب البحرية للمشاة (2021) أن التدريبات الميدانية المكثفة تساعد فعلاً على صناعة حل المشاكل في ظروف شديدة التقلب، كما على تشارك هذه الحلول، من بين نتائج أخرى مختلفة.

 

لكن بما أنها أخطر من التدريبات، ستكون الحروب أسرع في صقل صناعة القرار وتمييز المعلومات والاستفادة منها. لهذا السبب، درّبت قوتان ضعيفتان نسبياً، إيران وأوكرانيا، قوتين أكبر منهما، روسيا وإسرائيل، في ميادين معيّنة. ولهذا السبب أيضاً، استطاعت إسرائيل استهداف قيادات حوثية، بعكس حليفها الأقوى، الولايات المتحدة.

 

الفرق بين ماكليلان وباتون

ستظل سرعة الحروب أعظم من سرعة الوعي البشري. يكمن التحدي في فهم كيفية إغلاق المسافة بين العاملين، بالتوازي مع خفض المخاطرة باتخاذ قرارات سيئة. وربما، يكون تضييق الفجوة بين السرعتين نفسه كافياً لتفادي الكثير من القرارات السيئة.

 

هنا قد يظهر الفرق بين شخصيات مختلفة في صناع القرار العسكري، كما هي الحال بين الجنرالين جورج ماكليلان وجورج باتون (1885-1945). فالجملة المنسوبة للأخير معبّرة جداً: "إن خطة جيدة منفّذة بعنف الآن، هي أفضل من خطة مثالية ستُنفّذ الأسبوع المقبل".

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق