15 عاماً على "الربيع العربي": مأسسة الفشل - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
15 عاماً على "الربيع العربي": مأسسة الفشل - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 19 ديسمبر 2025 05:45 صباحاً

لعقود من الزمن، توهّمت منظومات شمال الأطلسي أن أنظمة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاستبدادية كانت حصوناً منيعة ضد الفوضى الإقليمية والتطرف الإسلامي وتعطل أسواق الطاقة العالمية. غير أن حوادث 2011 وما تلاها من سفك دماء في سوريا وليبيا برهنت على أن هذا الاستقرار سرابٌ في سراب، شُيّد على أسس الإقصاء والقمع.

 

الحساب الخاطئ

الأمثولة الأساسية التي عجزت القيادات الغربية عن استيعابها هي أن دعم الاستبداد مسعى ينسف نفسه بنفسه، وينتج فعلياً من عدم الاستقرار الذي يسعى إلى منعه. فخرافة الاستقرار قادت الولايات المتحدة وأوروبا عبر التاريخ إلى تقديم المساعدات العسكرية والاستخبارية والغطاء الديبلوماسي لأنظمة كانت هشة في جوهرها. حطّم الربيع العربي الوهم بأن هذه الأنظمة متينة، لكن عودة الغرب لاحقاً لدعم بعض "الزعماء" العرب تعكس رفضاً عنيداً للتخلي عن النموذج التقليدي.

 

رسم التحليل الغربي تفاصيل ما سمّاها "فقاعة ديموغرافية" من الشباب المتعلم والمهمش اقتصادياً بوصفه محركاً أساسياً لاحتجاجات 2011. فهؤلاء وُلدوا في دول لم تكن المشاركة السياسية فيها ممكنة، وكانت الفرص الاقتصادية مقصورة على نخبة ضيّقة متصلة بالعشائر الحاكمة. كان إضرام محمد البوعزيزي النار في نفسه في تونس بمثابة الشرارة، لكن الوقود كان عقوداً من الذل على أيدي موظفين صغار، وغياب تام للكرامة داخل العقد الاجتماعي - الحكومي.

 

 

متظاهر مصري يحمل علم بلاده في ميدان التحرير بالقاهرة عام 2011. (أ ف ب)

متظاهر مصري يحمل علم بلاده في ميدان التحرير بالقاهرة عام 2011. (أ ف ب)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يرى "معهد كاتو" وأصوات ناقدة أخرى أن الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط ليست حصناً منيعاً ضد الفوضى، بل هي محركات رئيسية لعدم الاستقرار الإقليمي. بلجم جميع أشكال المعارضة العلمانية السلمية، تركت هذه الأنظمة المسجد مكاناً وحيداً لحياة اجتماعية وسياسية منظمة، ما ضمن أن أي تحدٍّ للوضع القائم سيتخذ شكلاً إسلامياً. سمح الدعم الغربي لهذه الجهات بالتصرّف بلا حسيب أو رقيب، وهذا أجّج الشكاوى التي أدّت إلى صعود "داعش" والمجموعات المتطرفة الأخرى.

 

زواج الديموقراطية والمصالح الاستراتيجية

كان من أشد الدروس ألماً للحكومات الغربية إدراكها أن انتخابات حرة ونزيهة في العالم العربي ستسفر حتماً عن انتصار الإسلام السياسي، الذي سيتولى بدوره تخريب الدول لا تعميرها. قدّم ظهور "الإخوان المسلمين" في مصر و"النهضة" في تونس و"حزب العدالة والتنمية" في المغرب معضلة "ذات وجهين" للغرب الذي خاف من العواقب الاستراتيجية لشرق أوسط يقوده إسلاميون.

 

استفادت جماعة "الإخوان" في مصر من هياكل تنظيمية وخطط تمويل استغرق نسجها عقوداً، ما سمح لها بالهيمنة على حقبة ما بعد حسني مبارك. تميز الرد الغربي، ولا سيما من إدارة أوباما، بموقف حذر ومتناقض. أشار المراقبون الغربيون إلى إخفاقات حرجة خلال هذه الفترة: عجز الحوكمة (افتقر الإخوان إلى الخبرة في الشؤون الحكومية والإدارة الاقتصادية)، والتجاوز الأغلبوي (انتقدت حكومة مرسي لسعيها نحو أجندة سياسية حصرية أدت إلى انهيار الإجماع حول الدستور الجديد)، وصمود الجيش (بقيت القوات المسلحة قوة مهيمنة، فشل الغرب في الضغط عليها بفعالية في أيام الثورة الأولى). قوبل انقلاب 2013 العسكري الذي أطاح مرسي بصمت غربي، وهي خطوة فسّرها كثيرون بأنها عودة إلى نموذج "الاستقرار أولًا".

 

 

أشعلت الاحتجاجات في تونس شرارة انتفاضات الربيع العربي. (أ ف ب)

أشعلت الاحتجاجات في تونس شرارة انتفاضات الربيع العربي. (أ ف ب)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اشتهرت تونس عند الكثيرين بأنها "البلد النموذجي" للربيع العربي، الدولة الوحيدة التي بادرت بتطبيق عملية ديموقراطية دائمة. سعى حزب "النهضة" الإخواني الأكثر اعتدالاً للعمل مع أحزاب أخرى لبناء نظام قائم على الإجماع. غير أنه بعد 15 سنة، الدرس المستفاد من تونس هو الإحباط العميق. ينظر إلى السياسة الغربية تجاه تونس الآن على أنها ركزت كثيراً على الإجراءات السياسية وليس بما يكفي على قضايا "الخبز والكرامة" التي كانت جوهر الثورة. إهمال الغرب الاهتمامات الاقتصادية اليومية للشعب التونسي سمح بتجذر سرديّة مفادها أن الديموقراطية رفاهية لا تستطيع الدولة تحمّلها، ما فتح الباب للإسلاميين.

 

ليبيا وسوريا: معضلة التدخل

منح سقوط معمر القذافي في 2011، بدعم جوّي من حلف الناتو، الليبيين رجاءً بدولة أفضل، لكن الوضع انحدر سريعاً إلى الفوضى والاقتتال بين الميليشيات. حدّد المححلون الغربيون عدة أخطاء كبرى في حملة ليبيا. ففي البداية، ما قُدّم بأنه مهمة إنسانية محدودة لحماية المدنيين في بنغازي تحوّل بسرعة إلى حملة لتغيير النظام، وكان نهج "دع الليبيين يحكموا أنفسهم بأنفسهم" خطأً فادحاً تجاهل الغياب التام لمؤسسات الدولة، وكان الخطأ القاتل الثاني إنتاج طبقة جديدة من أمراء الحرب.

 

 

متظاهرون سوريون يشاركون في مظاهرة مناهضة للحكومة في مدينة إدلب شمال سوريا. (أ ف ب)

متظاهرون سوريون يشاركون في مظاهرة مناهضة للحكومة في مدينة إدلب شمال سوريا. (أ ف ب)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في سوريا، واجه الغرب مشكلة معاكسة: التردّد في التدخل سمح للنزاع بالتحوّل من حركة احتجاج سلمية إلى أشد حرب أهلية دماراً في القرن الحادي والعشرين. مسألة "الخط الأحمر" في 2013 مهمة جداً، إذ فشلت إدارة أوباما في تنفيذ تهديداتها بضربات عسكرية بعد استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وهذه تُعدّ لحظة محورية قوّضت الصدقية الغربية عالمياً، ما أنتج عواقب وخيمة: تجرؤ الخصم (فشل التحرك حول سوريا أشار إلى افتقار للقوة لاحظته الصين وكوريا الشمالية وإيران)، والتدخل الروسي (ملأت روسيا وإيران الفراغ الناجم عن تردد الغرب، حيث ضمنتا بقاء نظام الأسد)، واستراتيجية "داعش أولاً" (وضع الغرب هزيمة "داعش" قبل حماية المدنيين أو خلع الأسد)، ففهمت فصائل المعارضة السورية أن الغرب كان مستعداً للتدخل ضد الجهاديين لكن ليس ضد عنف النظام الذي أتى بالجهاديين.

 

عقد اجتماعي ممزَّق

كان الإخفاق الأكبر لحركات الربيع العربي - والدعم الغربي الذي تلقته - هو إهمال السياسة الاقتصادية وصلتها بحياة المواطنين اليومية. ركزت حركات الاحتجاج على الحريات السياسية وإزاحة الديكتاتورية لكنها تجنبت غالباً الحديث عن الأمن أو التحديات الاقتصادية الهيكلية التي تواجه دولها.

 

اعتمد تعزيز الديموقراطية الغربية على "إجماع واشنطن" الذي وصف الإصلاحات الاقتصادية النيوليبرالية والتجارة الحرة طريقاً إلى الاستقرار. تجاهلت هذه الصياغة المطالب الاجتماعية والاقتصادية الأساسية من "خبز وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية". ويعترف المحللون الغربيون الآن بثلاثة دروس مستخلصة من ذلك: المشاركة السياسية المستدامة (فشل الحراك الاحتجاجي في ترجمة طاقة الشارع العربي إلى مشاركة مستدامة في الحوكمة، وهذا سمح للنخب التقليدية باستعادة زمام المبادرة)، البراغماتية الاقتصادية (على الحركات المستقبلية إعطاء المسائل الاقتصادية اليومية الأولوية على الأيديولوجيا السياسية)، وإصلاح المنظومة الأمنية (افتقر المحتجّون إلى خطة واضحة لإعادة تعريف علاقة المواطن بالشرطة والجيش).

 

في نهاية المطاف، ليس الربيع العربي حدثاً انتهى، بل هو عملية غيّرت المشهد السياسي الإقليمي جذرياً. يبقى الإحباط الذي أثار الانتفاضات العربية من دون علاج، وبينما كُسر حاجز الخوف، يبقى الطريق نحو مستقبل مستقر وديموقراطي طويلًا ومحفوفاً بالمخاطر. على صناع السياسة الغربيين أخيراً أن يتعلموا أن السعي وراء "استقرار" أجوف بإدامة الاستبداد هو وصفة مثلى لحراك مستقبلي أخطر.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق