أبراج الحمام في صعيد مصر… ذاكرة الطين التي تحلّق - وضوح نيوز

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أبراج الحمام في صعيد مصر… ذاكرة الطين التي تحلّق - وضوح نيوز, اليوم الأحد 21 ديسمبر 2025 01:20 صباحاً

«بتغنّي لمين ولمين ولمين… بتغنّي لمين يا حمام؟»

في صعيد مصر، لا يُسمع هديل الحمام كصوت عابر، بل كصوت يحمل في طياته تاريخًا طويلًا من التعايش بين الإنسان والمكان. بين جدران الطين والفخار، تقف أبراج الحمام شاهدةً على التراث الشعبي والفن المعماري الفريد، متحدية الزمن والإهمال.

من قنا مرورًا بالقرى المجاورة، تنتصب الأبراج كمعالم معمارية تجمع بين البساطة والدهشة، فهي ليست مجرد منشآت لتربية الطيور، بل نتاج خبرة متراكمة عبر الأجيال. تُبنى الأبراج من الطوب اللبن، وتتخللها قواديس فخارية مدعومة بعروق خشبية، لتشكّل شبكة معقدة من الأعشاش التي تضمن للحمام الأمان والعودة الدائمة. وفي الصعيد، تأخذ الأبراج غالبًا شكل القلاع، مربعة أو متعددة الأضلاع، شامخة، كأنها تحرس القرية بقدر ما تحتضن طيورها.

الدكتور محمود مدني، مدير عام الشؤون الأثرية لمناطق آثار مصر العليا، أكد في محاضرة بعنوان: «أبراج الحمام في الصعيد، بين الطرز المعمارية والثقافة الشعبية»، أن هذه الأبراج ليست أطلالًا صامتة، بل نصوصًا معمارية مفتوحة «تقرأ الماضي وتلمح المستقبل». واعتبرها دعوة لإعادة النظر في التراث القريب الذي ما زال قائمًا ويستحق الاهتمام.

وأضاف الدكتور مدني أن أبراج الحمام في الصعيد «ليست عمارة وظيفية فقط، بل مرآة للثقافة الشعبية، تختزن الحكايات، وتحتوي في فراغاتها الأغاني والعادات والموروثات». فالحمام في الصعيد ليس مجرد طائر عابر، بل رمز للألفة والعودة، ورفيق دائم للبيوت، مرتبط بالمناسبات واللغة اليومية وذاكرة الريف، حتى أصبح جزءًا أصيلًا من التكوين الاجتماعي.

قديمًا، لعبت الأبراج دورًا اقتصاديًا مهمًا، إذ وفرت مصدرًا غذائيًا من تربية الحمام والزغاليل، وقدمت سمادًا طبيعيًا، اعتمد عليه الفلاحون قبل انتشار الأسمدة الكيميائية، لتشكّل منظومة مكتملة للاكتفاء الذاتي، نموذجًا مبكرًا للاستدامة، حيث تتكامل العمارة مع البيئة والاقتصاد والمجتمع.

ويستطرد مدني، بأنه قد تجولت كثير من الفرق الأثرية في قرى قنا مثل: دندرة ونقادة والوقف وقنا، وكشفت عن تنوّع معماري لافت، يظهر صلة قوية بين أبراج الصعيد وأبراج الفيوم، مع ميل الصعيد الجواني إلى الأبراج الضخمة المغلقة، المصممة لتحمّل المناخ القاسي وحماية الطيور. ومع اختلاف الأشكال، تبقى الروح واحدة: عمارة تُبنى بالخبرة لا بالكُتب، وبالموروث لا بالنظريات.

ويصف مدني، مشهد أبراج الحمام عند الغروب، إذ تتحوّل الأبراج إلى مسرح مفتوح، حيث تحوم أسراب الحمام في دوائر واسعة ثم تهبط دفعة واحدة في مشهد بصري مهيب، لحظة صامتة لكنها مليئة بالمعنى، تذكّر بأن الجمال في الصعيد غالبًا ما يأتي بلا إعلان، مشيرا، بأنه و على رغم قيمتها المعمارية والثقافية، فإن الأبراج اليوم تواجه خطر الإهمال والهدم مع تغيّر أنماط الحياة وتراجع الاهتمام. الكثير منها تُرك مهجورًا، ومعه تتآكل مهارات البناء التقليدي. لذا تتعالى الدعوات، التي يقودها باحثون وأثريون، لتوثيق الأبراج وحمايتها، وإعادة توظيفها ضمن مسارات السياحة الثقافية والريفية، بوصفها موردًا تراثيًا واقتصاديًا واعدًا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق