نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«سيدي عبد الرحيم القنائي».. العالم الرباني وباني الحصن الصوفي في صعيد مصر - وضوح نيوز, اليوم الأحد 21 ديسمبر 2025 01:20 صباحاً
في صفحات التاريخ الإسلامي، تبرز شخصيات لم يكن تأثيرها عابرًا أو محليًا، بل أسهمت في صناعة الوعي وحماية الهوية في لحظات فارقة. ويأتي سيدي عبد الرحيم القنائي في مقدمة هؤلاء، بوصفه عالمًا ربانيًا، ومصلحًا واعيًا، ومؤسسًا لمشروع علمي وروحي كان له بالغ الأثر في صعيد مصر، بل وفي مسار الأمة الإسلامية آنذاك، إذن لم يكن سيدي عبد الرحيم القنائي ـرضى الله عنه وأرضاه ـ مجرد عالمٍ من علماء الدين، بل كان نموذجًا متكاملًا للعالم الرباني العامل، العابد المجاهد، وصاحب الرؤية الواضحة لقضايا الأمة الإسلامية في أدق مراحلها التاريخية. وقد شكّلت رحلته العلمية والروحية، ثم مشروعه الإصلاحي في صعيد مصر، أحد أعمدة الحفاظ على هوية الأمة ووحدتها العقدية والفكرية
وبحسب ما أورده "عبد الرحمن سمير الخطيب"، حفيد سيدي "عبد الرحيم القنائي" رضي الله عنه، في حديثه لـ«الأسبوع»، فإن شخصية هذا القطب الرباني ومسيرته التاريخية تبلورت عبر محاور متكاملة ومتناسقة، امتزج فيها رسوخ العلم بنقاء التصوف السني، والتحم فيها العمل الإصلاحي بالبعد الجهادي الواعي، لتصوغ نموذجًا فريدًا لعالمٍ حمل همّ الدين والأمة معًا، وترك أثرًا عميقًا في الواقع والتاريخ.
نشأة علمية ووعي مبكر بقضايا الأمة
وُلد سيدي "عبد الرحيم القنائي" في بيئة عربية إسلامية أصيلة، ذات جذور علمية وروحية راسخة، واتصل نسبه ببيوت اشتهرت بالعلم والصلاح. وقد نشأ في محيط متديّن محافظ، ما أتاح له منذ وقت مبكر إدراك حجم التحديات التي واجهت الأمة الإسلامية، سواء من خلال الانحرافات الفكرية الداخلية أو الأخطار الخارجية المتمثلة في الحملات الصليبية. هذا الوعي المبكر انعكس بوضوح على مساره العلمي وخياراته الدعوية لاحقًا.
رحلة علمية واسعة واحتكاك بكبار العلماء
تميّز القنائي بتفانٍ لافت في طلب العلم، حيث ارتحل بين حواضر العلم الكبرى في المغرب العربي، ثم الشام والحجاز، ولازم كبار العلماء في الفقه والتصوف. وقد مكّنه هذا الاحتكاك من بناء شخصية علمية متوازنة، جمعت بين علوم الشريعة الظاهرة وعلوم السلوك والتزكية، في إطار من التصوف السني المنضبط بالكتاب والسنة، بعيدًا عن الغلو والانحراف.
قنا: اختيار استراتيجي وبناء مدرسة إصلاحية
لم يكن توجه سيدي "عبد الرحيم القنائي" إلى مصر خطوة عابرة، بل قرارًا استراتيجيًا واعيًا. فقد اختار قنا في صعيد مصر مقرًا لمشروعه الإصلاحي، وأسس بها مدرسة صوفية كبرى أصبحت من أعظم مدارس الصعيد في عصرها. ولعبت هذه المدرسة دور “الحصن الفكري” في مواجهة التيارات الهدّامة، وعلى رأسها محاولات نشر المذهب الشيعي وشق الصف السني، حيث تصدى لها الشيخ بالعلم والحكمة والحجة.
مدرسة تصنع الوعي والجهاد
أثمرت المدرسة الصوفية التي أسسها القنائي نتائج عميقة، تمثلت في نشر صحيح الإسلام، وترسيخ العقيدة السنية، وبث روح الوعي الديني والسياسي بين الناس، لا سيما فئة الشباب. ولم يقتصر دورها على التربية الروحية، بل امتد إلى إحياء فريضة الجهاد، حيث انخرط عدد من تلاميذ الشيخ ومريديه في صفوف المجاهدين، وانضموا إلى جيش القائد صلاح الدين الأيوبي في مواجهة الحملات الصليبية.
منهج علمي متكامل وإرث باقٍ
قامت مدرسة سيدي "عبد الرحيم القنائي" على منهج علمي شامل، جمع بين الفقه، والتفسير، والحديث، وعلوم التصوف القائم على التزكية والعمل. وخلّف الشيخ مخطوطات نفيسة، وتخرّج على يديه علماء وأولياء نشروا علمه في أقاليم متعددة. كما كان لأبنائه وتلاميذه دور محوري في الحفاظ على هذا الإرث العلمي والروحي واستمراره عبر الأجيال.
المسجد: عمارة ودور حضاري ممتد
شهد مسجد سيدي "عبد الرحيم القنائي" تطورًا معماريًا ملحوظًا منذ العصر الأيوبي وحتى العصر الحديث، مع حفاظه على مكانته بوصفه مركزًا علميًا وروحيًا. وظل المسجد حاضنًا للمدرسة الصوفية، وموئلًا لحفظ المخطوطات، وشاهدًا على نتاج علمي امتد لقرون. كما حافظ المجتمع المحلي على تقليد الاحتفال بمولد الشيخ، باعتباره مناسبة دينية وثقافية تعبّر عن عمق الارتباط التاريخي والروحي به.
ذرية ممتدة وإرث اجتماعي
امتد أثر سيدي "عبد الرحيم القنائي" عبر ذريته والأسر المنتسبة إليه، ومنها: آل الخطيب، وآل أبو البقاء، وآل كمالي النقيب، وآل زارع النقيب، وآل أم الزين، وآل العريس، وآل أبو السرور، وآل عيسى، وآل بقا، وآل الدقيني، وآل حلوي البساطي. وقد أسهمت هذه الأسر في صون الإرث العلمي والدعوي والاجتماعي للشيخ، وحفظ حضوره في الذاكرة الجماعية للصعيد.
خاتمة
يمثل سيدي عبد الرحيم القنائي نموذجًا متكاملًا للعالم الرباني الذي جمع بين العلم والعمل، والتصوف السني والجهاد الواعي، والرؤية الإصلاحية الشاملة. ولم يكن مشروعه حبيس المكان أو الزمان، بل مشروع أمة، هدفه حماية الهوية الإسلامية، وتوحيد الصف، وبناء الإنسان المسلم القادر على مواجهة التحديات في كل عصر.










0 تعليق