هند الضاوي والصهيونية المسيحية - وضوح نيوز

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هند الضاوي والصهيونية المسيحية - وضوح نيوز, اليوم الأحد 21 ديسمبر 2025 08:40 صباحاً

ليست كل القضايا صالحة للمعالجة الإعلامية السريعة، ولا كل الملفات قابلة للاختزال في مقطع متداول أو قراءة انطباعية. فهناك موضوعات، حين تُطرح أمام الرأي العام، تصبح مسؤولية فكرية قبل أن تكون مادة إعلامية، ويغدو الخطأ فيها خطرًا يتجاوز المتحدث إلى المتلقي، ويمتد أثره إلى وعي المجتمع بأكمله. ومن أخطر هذه الملفات تلك التي يتقاطع فيها الدين بالسياسة، والعقيدة بالمشروع الجيوسياسي، كما هو الحال في الحديث عن ما يُسمّى بالصهيونية المسيحية.

ما أثارته الإعلامية هند الضاوي في حلقتها الأخيرة حول مقطع يتحدث عن “تجنيد مئة ألف مسيحي لتحسين صورة إسرائيل في الولايات المتحدة” يكشف، للأسف، عن غياب إدراك حقيقي لطبيعة المفهوم الذي جرى تداوله، وعن قصور واضح في التمييز بين الدين كإيمان، والتيارات الدينية حين تتحول إلى أدوات سياسية. فالقضية هنا ليست صحة الرقم أو عدمه، ولا صدقية الفيديو من عدمها، بل الخطر الكامن في طريقة الطرح ذاتها، حين يُقدَّم موضوع بالغ التعقيد بلغة مبسطة حدّ الإخلال، ويُلقى على جمهور عام دون تفكيك أو تأصيل.

الصهيونية المسيحية ليست دينًا، ولا مذهبًا مسيحيًا، ولا تمثل المسيحية كإيمان، ولا تعبّر عن الكنائس التاريخية، وعلى رأسها الكنيسة المصرية الأرثوذكسية. هي في جوهرها فكر سياسي تشكّل داخل بعض التيارات الإنجيلية في الغرب، لا سيما في الولايات المتحدة، واستند إلى قراءة انتقائية للنصوص الدينية جرى توظيفها لخدمة مشروع سياسي محدد، هو دعم دولة إسرائيل بوصفها جزءًا من تصور لاهوتي ـ سياسي عن “نهاية الزمان” وإعادة تشكيل العالم.

هذا الفكر لم ينشأ صدفة، بل تعود جذوره الفعلية إلى القرن التاسع عشر مع القس البريطاني جون نيلسون داربي، مؤسس ما عُرف بالفكر التدبيري، الذي أعاد تقسيم التاريخ الديني إلى مراحل، وربط بين النبوءات التوراتية وقيام دولة إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، تطور هذا التيار وانتقل من الهامش اللاهوتي إلى قلب السياسة الأمريكية، حتى صار أحد أهم أدوات الضغط المؤثرة في صناعة القرار، لا سيما في ما يتعلق بالشرق الأوسط.

ومع مرور الوقت، تحولت الإنجيلية الأمريكية من تيار ديني إلى ما يمكن وصفه بدقة بأنه هجين سياسي أيديولوجي، يحمل خطابًا دينيًا لكنه يتحرك بمنطق القوة والمصلحة. هذا التيار يتبنى عقيدة ما يُعرف بالحكم الألفي، أي الإيمان بعودة المسيح ليحكم العالم حكمًا أرضيًا لمدة ألف عام، من القدس، وتحديدًا من هيكل سليمان. وهو تصور لا يمت إلى الإيمان المسيحي الأرثوذكسي بصلة، بل ترفضه الكنائس الشرقية جملة وتفصيلًا، لأنه يحوّل الإيمان الروحي إلى مشروع سلطة أرضية، ويختزل الملكوت الإلهي في كيان سياسي.

في المقابل، تنتظر اليهودية الصهيونية هي الأخرى مسيحًا ملكًا أرضيًا، يعيد إحياء مملكة داوود، ويقيم حكمها من هيكل سليمان. وهنا يحدث التقابل الحاسم بين الطرفين: الإنجيلية الصهيونية واليهودية السياسية. تقابل لا يقوم على وحدة إيمانية، بل على مصلحة مشتركة ورؤية متقاطعة، تجعل من القدس مركز الحكم، ومن هيكل سليمان رمز السيادة، ومن إعادة تشكيل المنطقة هدفًا نهائيًا. هذا التحالف ليس دينيًا بريئًا، بل هو تحالف ديني مُسيّس، جرى توظيفه بوعي كامل لخدمة المشروع الصهيوني العالمي.

وقد قاد هذا الفكر شخصيات معروفة لم تكن مجرد دعاة أو وعّاظ، بل فاعلين سياسيين مباشرين، مثل جيري فالويل، وبات روبرتسون، وجون هيغي مؤسس منظمة “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل”، وصولًا إلى شخصيات داخل السلطة الأمريكية نفسها، مثل مايك بنس وديفيد فريدمان. وهؤلاء جميعًا لعبوا أدوارًا محورية في تحويل الصهيونية المسيحية من خطاب لاهوتي إلى قوة ضغط مؤثرة في السياسات الأمريكية تجاه فلسطين والمنطقة العربية.

المشكلة في طرح هند الضاوي لا تكمن في الإشارة إلى وجود هذا التيار، فوجوده حقيقة معروفة ومدروسة في مراكز البحث العالمية، بل في غياب التفريق بين المسيحية كدين سماوي، والمسيحيين كمواطنين، وبين تيار سياسي ديني نشأ في سياق ثقافي وتاريخي مختلف تمامًا عن السياق المصري. هذا الخلط، حين يُقدَّم إلى العامة، يزرع وعيًا مضللًا، ويخلق انطباعات خاطئة، ويضع المواطن المسيحي المصري في موضع لا ينتمي إليه، ويحمّله أوزار مشروع سياسي عالمي لا علاقة له به.

إن من يتصدى لتناول مثل هذه الموضوعات عليه أن يكون مطلعًا، دارسًا، ومتعمقًا، لا ناقلًا لانطباعات أو ردود أفعال. فالإعلام، حين يفتقر إلى المعرفة، لا يكتفي بإرباك المشهد، بل يتحول إلى أداة تشويش تهدد السلم الذهني للمجتمع. وأخطر ما في الأمر ليس الجهل ذاته، بل الجهل حين يُقدَّم في ثوب المعرفة، ويُطرح بثقة أمام جمهور يبحث عن الفهم لا عن الإثارة.

الوعي الوطني لا يُبنى بالخلط، ولا بالتعميم، ولا بإقحام الدين في معارك سياسية بلا إدراك. وحين تُفتح هذه الملفات، فإما أن تُفتح بعلم ومسؤولية، أو تُترك لمن يملك أدواتها. لأن الأوطان لا يحميها حسن النية وحده، بل يحميها الفهم العميق لما يُقال، وما لا ينبغي أن يُقال.

اقرأ أيضاً
ورقة بحثية عن المؤتمر الصهيوني 39 تكشف.. كيف يسيطر «اليمين» على مستقبل الصهيونية العالمية؟

إيران تعدم متهمًا بالتجسس لصالح إسرائيل

غارات الاحتلال تستهدف خان يونس جنوبي غزة.. وترامب يتحدث عن لقاء مرتقب مع نتنياهو

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق