السعودية ليست دولةً متوسطيّةً، إلّا أنها أقرب إلى اليونان ممّا يعتقد البعض - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السعودية ليست دولةً متوسطيّةً، إلّا أنها أقرب إلى اليونان ممّا يعتقد البعض - وضوح نيوز, اليوم الأحد 7 ديسمبر 2025 10:05 صباحاً


استضافت العاصمة اليونانيّة مؤخّرًا مؤتمر "حوارات أثينا السياساتيّة"، حيث تضمّن نقاشات شيّقة وصريحة أُجريت مع صنّاع سياسات، ومراكز أبحاث، وصحفيّين بارزين من اليونان ودول أوروبية أخرى،  ومن الشرق الأوسط الأوسع، بما في ذلك مصر، وإسرائيل، وتركيا.

لكن كان لافتا غياب المتحدّثين من الخليج والولايات المتحدة الأميركية (باستثناء كاتب هذا المقال). وبالطبع، لا تُعدّ السعودية، ولا الولايات المتحدة، جزءًا من منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، إلّا أن جميع جلسات المؤتمر تقريبًا أتت، بشكل أو بآخر، على ذكر كلا البلدين أو أحدهما على الأقلّ.

وأشير هنا إلى هذا التفصيل بهدف توضيح الصورة للسياسيّين في أوروبا، ومنطقة شرق المتوسّط، والخليج. فليكن هذا بمثابة تذكير بأنّ مساراتنا كانت، وستظلّ، تتشابك فيها. وربما كان ذلك اليوم صحيحا أكثر من أي وقت مضى.

كانت الأحداث الأخيرة في غزة، كما قمّة شرم الشيخ للسلام التي أعقبتها، أحد المواضيع الرئيسيّة التي دارت حولها النقاشات خلال المؤتمر الذي استمرّ ليومين. ولا يُعدّ هذا مفاجئًا، نظرًا لأن اليونان لعلّها تتأثّر بأحداث الشرق الأوسط قبل الدول الأوروبية الأخرى. وتُشكّل الأزمات السابقة التي شهدتها مصر، وليبيا، وسوريا، ولبنان، خير دليل على ذلك.

 في هذا السياق، لم يكن من المفاجئ تشديد الرئيس اليوناني كونستانتينوس تاسولاس في كلمته الافتتاحيّة على أن "اليونان، ونظرًا لموقعها على الخطوط الأماميّة الأقرب إلى هذه التطوّرات، لم تستطع البقاء خارج أعين العواصف التي هزّت المنطقة".

أشاد تاسولاس بالعلاقات طويلة الأمد والاستراتيجيّة بين أثينا وإسرائيل، إلّا أنه لربما نسي التشديد على أهميّة التحسّن السريع الذي تشهده العلاقات بين السعودية اليونان، كما الانعكاس الإيجابي المُحتمل لهذا التحسّن على شرق المتوسط. وكان هذا مفاجئًا ومُخيّبًا للآمال بعض الشيء بالنسبة لي كمراقب.

قرّرت التكلّم عن هذا الموضوع لعدة أسباب. فأولًا، تُعدّ المملكة حليفًا استراتيجيًا فعليا لليونان (إلى جانب دول مثل الولايات المتحدة، وفرنسا). كما يُتوقّع أنه، مع استمرار التوافق بين رؤية 2030 وخطّة اليونان الوطنيّة للتعافي (اليونان 2.0)، أن تشكّل هذه العلاقات نقطة تحوّل بالنسبة لأثينا. وترتكز وجهة النظر هذه على ما صرّح به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بإيجابية خلال زيارته لأثينا عام 2022، حينما تمّ الإعلان عن مشاريع عدّة مثل ممرّ نقل الطاقة والبيانات من الشرق إلى المتوسط عبر اليونان.

كان من الغريب ألّا يعمد الرئيس اليوناني في أثينا إلى أن يُردد ما قاله رئيس وزرائه كيرياكوس ميتسوتاكيس علنا قبل 11 شهرًا فقط خلال زيارته للسعودية، حين أشار إلى أن المملكة "هي شريك استراتيجي لليونان والاتحاد الأوروبي، كما أنها جهة فاعلة رئيسيّة تدعم الاستقرار والازدهار في المنطقة بأكملها".

أرجو ألّا تسيئوا فهمي، حيث إن عرضي لهذه الحجّة ليس إيحاء بأنه يجب الالتزام بخيار استراتيجي واحد فقط. فقد أثبتت الرياض للعالم خلال السنوات الأخيرة قدرتها على ضمان حصولها على "البساط الأحمر" من جانب واشنطن، وهي الحليف الاستراتيجي الرئيسي للمملكة، مع الحفاظ على علاقات ممتازة مع كلّ من الصين وروسيا. وأظهرت في الوقت عينه كيف يُمكنها أن تعمل على إعادة بناء علاقة عمل مع إيران أيضًا. وقد استفادت السعودية من جميع هذه العلاقات للتخفيف من حدّة التوتّرات في المنطقة وتحقيق الاستقرار فيها.

وصفت الوضع بالغريب لأن تاسولاس انتقد في خطابه "المشاكل التي طال أمدها، والتي لا تزال تُزعزع الاستقرار وتُقوّض أي جهد للتعاون"، داعيًا إلى إنهاء الاحتلالات غير القانونيّة واحترام النظام العالمي.

ومع ذلك، شدّد في الخطاب نفسه على متانة العلاقات التاريخية مع إسرائيل، في حين أقر في الوقت نقسه أيضًا بأن ردّها على هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر الإرهابيّة كان غير متناسب، كما ألمح بشكل مُقتضب إلى أن اليونان تدعم تنفيذ حلّ الدولتين في الوقت المناسب.

نجد أنفسنا إذًا أمام دولة تُطالب بالالتزام بالقانون الدولي، وتُعارض الاحتلالات غير القانونيّة، وتريد حماية المسيحيّين في الشرق الأوسط. وبالتالي، ينبغي عليها منطقيا وفق رأيّ الشخصي، كونها صديق مُقرّب من إسرائيل، أن تكون حازمةً أكثر تجاه الحكومة الحالية.

لماذا أدعوها لأن تكون حازمةً أكثر مع إسرائيل؟ لعلّه يكون من المناسب أن أجيب على هذا السؤال عبر الإشارة إلى ما قاله الرئيس اليوناني بنفسه عندما اعتبر أن ردّ إسرائيل لم يكن مُتناسبًا. بالإضافة إلى ذلك، وصف خبراء قانونيّون، وحتّى خبراء مُتخصّصون بموضوع محرقة اليهود (الهولوكوست)، إلى جانب اللّجان التابعة للأمم المتحدة، ما حصل في غزة بأنه إبادة جماعيّة. ويُعرّض تزايد المستوطنات والمضايقات في الضفّة الغربيّة حياة الفلسطينيّين، بما في ذلك المسيحيون منهم للخطر، وذلك وفقًا لما قاله الأب منذر إسحق، راعي كنيسة الميلاد الإنجيليّة اللّوثريّة في بيت لحم. وأشار في مُقابلة أجراها مع صحيفة "عرب نيوز" إلى أن "العديد من العائلات المسيحيّة الفلسطينيّة قد غادرت الضفّة الغربيّة بسبب شعورها بالخوف".

وأضاف شارحًا: "ينظرون إلى ما كان يحصل في غزة ويتساءلون عمّا إذا كانوا سيتعرّضون للأمر نفسه في يوم من الأيّام. يُعدّ من المستحيل بالنسبة لنا كمجتمع أن نزدهر بينما نرزح تحت وطأة الصراعات، والقمع، والاحتلال".

لماذا أعتبر أنه كان يجب على الرئيس أن يُسلّط الضوء على الرياض تحديدًا؟ ما علينا إلّا أن ننظر إلى ما حقّقته المملكة والولايات المتحدة الأمريكية في الأشهر الأخيرة. فقد أدّى التنسيق الوثيق بينهما إلى اتّخاذ خطوات تساهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة من خلال رفع العقوبات عن سوريا، حيث تحوّلت دمشق من عدو إلى صديق وعضو في التحالف الدولي ضدّ داعش، كما شجّع واشنطن أيضًا على التدخّل لمحاولة إيقاف الحرب في السودان.

يمكن لليونان كذلك أن تؤدّي دورًا مهمًا في هذا السياق، إذ تتمتّع بقوّة ناعمة استثنائيّة، ولا تاريخ استعماري لها في العالم العربي. كما يُمكنها أن تكون عضوًا في قوّة الاستقرار الدوليّة، حيث تستطيع استغلال قربها من إسرائيل لإقناع الإسرائيليّين بالموافقة على الالتزام بمسار حلّ الدولتين.

تُعدّ رؤية السعودية 2030، في جوهرها، خطةً منفتحةً على العالم. وسنعتمد بشكل كبير على شركائنا وأصدقائنا، لاسيما الاستراتيجيّين منهم، للمساعدة في بناء المدن، وملاعب كرة القدم لبطولة كأس العالم، ومعالم معرض إكسبو 2030. وسنستعين بهم أيضًا للمساهمة في ما هو أهمّ من ذلك، أي بناء منطقة متكاملة يعمّها السلام والازدهار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق