نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سقوط أمير الإعلام في تركيا: الجنس والمخدرات في قلب صراع العرش - وضوح نيوز, اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 06:55 صباحاً
يُغلق المشهد السياسي التركي عام 2025 بفضيحة صادمة في تاريخ الإعلام التركي الحديث، متمثّلة في قضية محمد عاكف أرسوي، المدير العام السابق لقناة "هابرتورك" القريبة من السلطة، والتي تتجاوز أبعادها حدود الفساد الإداري أو الانحراف الأخلاقي، لتكشف عن عالم مظلم يجمع بين المخدرات والاستغلال الجنسي، وشبهات تشكيل شبكة إجرامية تعمل تحت غطاء النفوذ السياسي.
أرسوي، الذي صُوِّر لسنوات أحد "صنّاع الرأي العام" وركائز الإعلام الموالي لحزب "العدالة والتنمية"، سقط دفعة واحدة من قمة السلطة الناعمة إلى قاع الاتهامات الثقيلة، ليجرّ معه أسماء إعلامية معروفة، خصوصاً من الوجوه الأنثوية اللامعة في قناته والإعلام التركي، واضعاً إياهن في دائرة الشبهات.
من جهة أخرى، يؤكّد شكل انفجار الفضيحة، ومكانة أرسوي، وتوقيت توقيفه، تصاعد الصراع داخل النظام الحاكم، واحتدام التوتر السياسي عقب اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو في آذار/ مارس 2025، وما تبعه من احتجاجات هزّت الشارع التركي، لتتحوّل القضية من ملف جنائي إلى أداة في صراع "كسر العظام" داخل السلطة، حيث يتقاطع الإعلام مع السياسة، وتُستخدم الفضائح سلاحاً في معركة العرش غير المعلنة.
من غرف الأخبار إلى شبكات المخدرات والجنس
بدأت قضية أرسوي، البالغ من العمر 40 عاماً، في 9 كانون الأول/ ديسمبر 2025، عندما ألقت قوات الدرك، وليس الشرطة، القبض عليه مع سبعة أشخاص آخرين في إطار تحقيق يتعلق بالمخدرات، ووجّهت إليه تهم متعددة تشمل "شراء المخدرات، واستخدامها، وحيازتها، وتوفير مكان وإمكانات لاستخدامها". كما أُضيفت إليه اتهامات بالتحرش الجنسي بزميلات في العمل، واستغلال نفوذه للحصول على مكاسب مهنية ومادية.
ووفقاً لتقارير المدعي العام في إسطنبول، بدأ التحقيق بناءً على "بلاغ من شخص مجهول"، أدّى إلى اعتقال مقدّمتي أخبار في "هابرتورك"، إيلا روميسا سي وميلتم أي، في 5 كانون الأول/ ديسمبر، إذ خضعتا لفحوص طبية للكشف عن استخدام المخدرات، ثم أُفرج عنهما بعد الاستجواب.
خضعت إيلا روميسا سي لفحص المخدرات. (وسائل تواصل اجتماعي)
في الموجة الثانية، جرى اعتقال أرسوي، وبعد الاستجواب قررت المحكمة حبسه والآخرين بتهمة "تسهيل استخدام المخدرات وتشكيل منظمة إجرامية لارتكاب جرائم"، بينما رفضت الاتهامات المتعلقة بشراء المخدرات وحيازتها مباشرة.
في مذكرة الإحالة على المحكمة، ذكر المدعي العام أن أرسوي وشركاءه "وفّروا في منازلهم مكاناً وإمكانات لاستخدام المخدرات، وأمدّوا النساء الزائرات بالمخدرات، ثم أجبروهن على علاقات جنسية جماعية مع أشخاص آخرين للحصول على مكاسب مهنية ومادية".
اعتمد التحقيق على إفادات شهود سريين، وتصريحات، وسجلات هاتفية تثبت وجود المتورطين في الأماكن المذكورة، لكن من دون العثور على أدلة مادية مباشرة، مثل كميات من المخدرات في منازلهم. فيما استفاد الشاهد السري، الذي يُعتقد أنه أحمد غوجمن (صديق سابق لأرسوي)، من قوانين التوبة الفعّالة، لكنه لم يقدّم دلائل ملموسة، مثل معاملات بنكية أو تسجيلات.
في إفادته أمام المدعي العام، نفى أرسوي جميع الاتهامات، كما أوضح أن بعض الاتصالات مع زميلاته كانت مهنية، وأن اختيار الصحافيين لمرافقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتم من مكتب الاتصالات الرئاسي، وليس منه شخصياً. وأشار إلى حادث مروري سابق في عام 2021، مؤكداً أنه لم يكن تحت تأثير المخدرات، وأن هناك تقريراً شرطياً يثبت ذلك، واصفاً الاتهامات بأنها "عملية سياسية واضحة"، ومشيراً إلى شكوكه في المنظومة العدلية للبلاد بسبب الإفادات السرية غير المدعومة بأدلة. وذلك قبل أن تتم إضافة ادعاءات بالتحرش من مقدّمة الأخبار السابقة في قناة "هابرتورك" نور كوشكر، التي قالت في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي إن أرسوي هدّدها بحرمانها من الظهور على الشاشة في حال رفضها الاستجابة لطلباته الجنسية، وأرسل إليها رسائل جنسية، ما دفعها إلى الاستقالة.
الإعلامية التركية نور كوشكر. (وسائل تواصل اجتماعي)
السلطة تلتهم أبناءها
خلفية أرسوي المهنية تضيف تعقيداً آخر إلى القضية. فهو ابن نادر أرسوي، الذي كان مرتبطاً بتنظيم "سلام توحيد" المدعوم إيرانياً. وقد بدأ أرسوي مسيرته في صحيفة "سلام" في التسعينات، قبل البدء بالعمل في قناة "تي آر تي" الرسمية، وهو الذي غطّى النزاعات في مصر وليبيا واليمن وسوريا، مستغلاً إلمامه باللغة العربية.
تكشف قضية أرسوي عن صراعات داخلية عميقة في "العرش" التركي، أي السلطة التنفيذية والحزب الحاكم، والتي أصبحت أكثر حدّة في عام 2025 وسط اضطرابات سياسية واسعة. تميل التحليلات التركية إلى اعتبار أن أرسوي، الذي كان يُعدّ "أميراً" في الإعلام الموالي للحكومة، كان مرتبطاً بمجموعة "موالية لإيران" داخل حزب "العدالة والتنمية".
ويرى الصحافي التركي مراد يتكين أن اعتقال أرسوي يعكس "صراع فصائل" داخل الحكومة، وأنه ذهب ضحية منافسات بين مجموعات قريبة من إيران وأخرى قومية ذات نفوذ اقتصادي، مستشهداً بتغطية الإعلام الموالي للسلطة، مثل صحيفة "صباح"، للقضية بتفاصيل دقيقة، ما يوحي توجيهاً من تيار حكومي للنيل من أرسوي لإضعاف فصيله.
أرسوي في قاعة المحكمة. (وسائل تواصل اجتماعي)
أما البرلماني عن "حزب العمال" اليساري أحمد شيك، فرأى أن القضية جزء من "حروب العرش" داخل السلطة، حيث يتنافس اللاعبون على المكاسب في مرحلة ما بعد أردوغان، وأن أرسوي "الذي نزل على الإعلام بالباراشوت" كان محمياً بروابط مع الاستخبارات التركية، وشارك في تغطية أحداث حساسة، مثل حرق "حزب العمال الكردستاني" لأسلحته في العراق بدعوة من الاستخبارات التركية، وكان جزءاً من شبكة استخباراتية.
وبرأي شيك، فإن إزالة "الدرع الواقية" عن أرسوي قد تكون رسالة مباشرة إلى وزير الخارجية هاكان فيدان، أو تصفية حسابات داخلية من منافسين له على كرسي ما بعد أردوغان، مذكّراً بأن مجموعة "توركوفاز" التي يملكها سرهات البيراك، شقيق صهر أردوغان بيرات البيراك، استخدمت وسائلها، مثل صحيفتي "صباح" و"تاكفيم"، لنشر تفاصيل القضية بشهيّة. كما يشير إلى استقالة فوركان تورلاك (صديق أرسوي ورفيق دراسته في سوريا) من مكتب الاتصالات الرئاسي بعد ذكر اسمه في التحقيق، معتبراً ذلك جزءاً من حملة لإضعاف الفصيل "الإسلامي الإيراني".
ووفق شيك، فإن بلال أردوغان، نجل الرئيس التركي، يسعى الى السيطرة على وسائل إعلام يجاري بها خصومه من المرشحين المستقبليين، مع استخدام القضاء أداة للتصفيات.
وفي حين كشفت قضية أرسوي عن هشاشة في بنية الصفوف الثانوية للسلطة حين تُرك وحيداً من دون دعم من حلفائه السابقين، في مقابل تغطية جناح آخر من الإعلام الموالي للقضية بتفاصيل دقيقة، فقد فجّرت فضيحة مدوّية في عالم "الإعلام المحافظ"، بارتباط أسماء إعلامية لامعة بالمخدرات وحفلات الجنس الجماعي.
كذلك، سلطت القضية الضوء على مشكلات أخلاقية في المهنة، مثل التحرش والاستغلال. وبالنظر إلى مكانة المتّهم، الذي كان جزءاً من نظام إعلامي يخدم السلطة بالطاعة المطلقة، فإن الفضيحة تتجاوز أبعادها كمجرد فضيحة شخصية، لتتحوّل إلى مرآة للصراعات الداخلية في تركيا، التي تنذر بمزيد من "الحروب الخفية" في الأشهر المقبلة.



0 تعليق