مبدعون ونقّاد لـ"النهار": على الإنسان ترويض الآلة في معركة "الثقافة الرابعة" - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مبدعون ونقّاد لـ"النهار": على الإنسان ترويض الآلة في معركة "الثقافة الرابعة" - وضوح نيوز, اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 10:05 صباحاً

مَن منا لا يعترف بأن مجالات الحياة قد تأثرت كلها بالاجتياح الرقمي؟ وهل يمكن لأحد إنكار هذا الانخراط الإنساني في الفضاءات الإلكترونية، وذلك التعاطي المتصاعد مع برمجيات الذكاء الاصطناعي في سائر العلوم والآداب والفنون والممارسات اليومية الاعتيادية؟

ومع ذلك، فإن الاعتراف الكامل بنشوء "ثقافة رابعة"، لتوصيف الثقافة الهجينة بين الإنسان والآلة، لا يزال محل تشكك، رغم تردد المصطلح على استحياء في دوائر فكرية ومعرفية وأكاديمية رصينة.
لقد جرى الاتفاق على أن هناك ثلاث ثقافات سابقة؛ الأولى، تختص بالإنسانيات من آداب وفنون وفلسفة وتاريخ وغيرها، وتغوص في تحليل المعاني والقيم والخصائص والعلاقات البشرية. والثانية، تعنى بالعلوم الطبيعية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء وغيرها، وتتكئ على النظريات المحكمة والتفسيرات الموضوعية والتجريبية.

بينهما، ترسخت الثقافة الثالثة، لاسيما على يد الكاتب الأميركي جون بروكمان في نهاية القرن الماضي، للتعبير عن دمج الإنسانيات والعلوم معاً في خطاب ثقافي عام، لإيجاد منظومة من المعارف الضرورية المشتركة لتسليح الإنسان في القرن الحادي والعشرين.

تحت هذه المظلة، التي تجمع متخصصي العلوم الطبيعية والإنسانية في تفاعل مباشر حيّ مع الجمهور، بدأ اصطلاح الثقافة الرابعة في الظهور، من دون تعريف محدد بدقة. ولكنه يحيل عند تفكيكه إلى مفردات أساسية، منها: المشاركة الرقمية الذكية، والصعود التكنولوجي، وهيمنة المنصات الإلكترونية وقواعد البيانات، والتداخل الحميم بين الإنسان والآلة. ويضاف إلى ذلك، على وجه الخصوص، الاتكاء على الذكاء الاصطناعي، إذ تتمدد الثقافة التفاعلية إلى إعادة تشكيل الوعي، وربما تغيير السلوك.

"النهار" تلتقي مجموعة من المبدعين والنقاد، لاستطلاع آرائهم حول هذه الثقافة الرابعة المتشكلة، وهل بإمكانها التأثير في الهوية الآدمية ومفاهيمها المتجذرة، وتحريك بوصلة الفكر والمعرفة والإبداع من الفردية إلى الجماعية وربما إلى الصيغ التكنولوجية؟ وكيف يمكن للإنسان ترويض الآلة وإخضاعها لعقله وسيطرته في هذه المعركة؟ 

انقسام العالم
من جهته، يرى الناقد المغربي الدكتور حسن اليملاحي، الأستاذ بكلية الآداب، أنه مع التطور الكبير الذي شهدته التكنولوجيا، ظهر عالمان؛ الأول: رقمي لتحويل كل ما هو مادي إلى رقمي من خلال المعالجة الإلكترونية، والآخر: افتراضي، للتواصل مع العالم والإنسان بعيداً عما هو مادي. وفي ظل هذا التطور، ظهرت ثقافة رابعة ترتهن إلى المعرفة والذكاء الاصطناعي، وهو ما مهد لولادة عالم جديد وغريب غير تقليدي، فرض الكثير من الأسئلة.

 

الذكاء الاصطناعي والأدب. (تعبيرية)

الذكاء الاصطناعي والأدب. (تعبيرية)

 

ويضيف اليملاحي لـ"النهار" أن العيش جنباً إلى جنب مع "الذكاء الاصطناعي" لا يعني تعريض كينونة الإنسانية إلى المسخ والخطر، بل ينبغي  العمل على ترويضه لخدمة الإنسان ثقافيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً، لما يتيحه من إمكانات وقدرات هائلة للارتقاء بالإنسانية والشعوب. ونجاح هذا الرهان يستوجب إرادة حقيقية تسعى إلى تجديد ثقافتها بمهارة، لتركب قطار الذكاء الاصطناعي وتقوده إلى الوجهة الصحيحة. 

حدود التقنية
وتلتقط خيط الحديث الشاعرة والباحثة المصرية مروة نبيل، الأكاديمية المعنيّة بانعكاسات الرياضيات والعلوم الطبيعية على الفلسفة والآداب والإنسانيات، موضحة أن ذكاءين أفضل من ذكاء واحد، والذكاء الاصطناعي مفيد للغاية في جعل الإنسان يكف عن أن يكون حافظة معلومات أو حاسبة أرقام، وطالما الأمر يتعلق بالمساعدة وترك الجانب الإبداعي، فنحن بخير. ولكن إذا صدقنا أنه يستطيع الاستغناء عن وكالتنا البشرية، أو أنه يقدم إبداعاً يُضاهي الإبداع الإنساني، فتلك مشكلة.

وتؤكد صاحبة أطروحة "مفهوم الزمان" أن الذكاء الاصطناعي في التأليف الأدبي مثلاً، مهما كان برنامجه عالي القدرات، يكتب بلا حافز، ولن يقدم سوى مقولات مألوفة وحشوات، تُرضي المُلفِّق لا المبدع، ولا يتذوقها إلا سطحيو الشعور والاطلاع. أما الإبداع الأصيل، فلن يصدر إلا عن حساسيات فائقة. ويمكننا تمثيل الدماغ بدالة رياضية، تجمع الـ"مدخلات" وتمارس عليها عملياتها أو ذكاءها الخاص، الذي غالباً ما يكون غامضاً مهما اجتهدنا في وصفه، لتظهر "مُخرجات" شديدة الخصوصية تمثل الإبداع الإنساني الأصيل. 

زوال الصخب
أما الروائية والكاتبة اللبنانية جنى فواز الحسن، فترى في حديثها لـ"النهار"، أن ما يميّز الإنسان عن الحيوان هو العقل، وما يميّزه عن الآلة الروح والقدرة على الإحساس. ويبدو الذكاء الاصطناعي أشبه بتذكير مستمر بالمنطق، فيما تبقى العاطفة والحدس مجالاً حصريّاً للإنسان. وهكذا، تبدو الثقافة الرابعة حدثاً مفصليّاً يبدأ صاخباً، لكنه سيذوب في تفاصيل الحياة اليومية، ويصبح واقعاً اعتياديّاً.

وتوضح جنى الحسن أن الإنسان يولد بغرائز واحتياجات مادية ومعنوية ثابتة لا تلغيها التكنولوجيا، ولكن الحاجة الأصيلة إلى المعنى والانتماء والتجاوز تظل محرّكاً رئيساً. وتقول مختتمة: أثق بأن الطبيعة البشرية ستعيد تنظيم نفسها لتسخير الآلة في خدمة الإنسان. والشعوب والأشخاص الأكثر قدرة على التحول والتأقلم هم من سيتصدرون السباق. ولن تُعاد قراءة الكينونة البشرية من باب التفوّق، بل من باب الهشاشة الخلّاقة: الاعتراف بأننا نصنع عقلاً آخر قد يسبقنا في الفهم، لكنه يظل وسيلة في متناولنا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق