كشفت مراجعة علمية حديثة نتائج غير متوقعة بشأن تأثير الدهون المشبعة على صحة القلب والأوعية الدموية، بعد تحليل موسّع لعشرات الدراسات السريرية التي شملت مئات الآلاف من المشاركين.

ولطالما وُضعت الدهون المشبعة، الموجودة بشكل طبيعي في الزبدة والجبن واللحوم الحمراء، في دائرة الاتهام لعقود طويلة، باعتبارها أحد العوامل الرئيسية لانسداد الشرايين وزيادة خطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية. غير أن نتائج الدراسة الجديدة تدعو إلى إعادة النظر في هذه الفرضيات التقليدية.

وأظهرت المراجعة، التي حللت بيانات أكثر من 66 ألف مشارك في 17 تجربة غذائية استمرت عامين على الأقل، أن تقليل استهلاك الدهون المشبعة لا يؤدي بالضرورة إلى خفض معدلات الوفاة لدى معظم الأشخاص، لاسيما ذوي المخاطر القلبية المنخفضة أو المتوسطة، حتى على مدى خمس سنوات من المتابعة.

وبيّنت النتائج أن الفائدة كانت أكثر وضوحًا لدى الفئات الأكثر عرضة لأمراض القلب، خاصة عندما جرى استبدال الدهون المشبعة بالدهون المتعددة غير المشبعة، وليس الاكتفاء بتقليل الدهون بشكل عام. ورغم أن خفض الدهون المشبعة ساهم في تقليل مستويات الكوليسترول الكلي والكوليسترول الضار (LDL)، فإن هذا الانخفاض لم ينعكس على تراجع معدلات النوبات القلبية أو الوفيات بين الأشخاص منخفضي الخطورة.

وأشار الباحثون إلى أن التدخلات الغذائية تبدو أكثر فاعلية لدى أصحاب المخاطر العالية، إذ ترتبط بانخفاض احتمالات الوفاة والنوبات القلبية والسكتات الدماغية غير المميتة. كما شددوا على الحاجة إلى دراسات إضافية لفهم تأثير استبدال الدهون المشبعة بالبروتينات، وليس بالكربوهيدرات فقط، بما يتماشى مع الأنماط الغذائية الحديثة.

في المقابل، حذّر خبراء من التسرع في تعديل الإرشادات الغذائية الحالية، مؤكدين أن المراجعة لم تتناول الآثار طويلة الأمد على مدى عشر سنوات، وهي المدة المعتادة لتقييم مخاطر أمراض القلب. كما أشاروا إلى أن الدهون المشبعة ليست متشابهة في تأثيرها، إذ تختلف آثار الدهون الموجودة في اللحوم الحمراء والمعالجة عن تلك الموجودة في منتجات الألبان المخمرة.

من جانبه، أوضح البروفيسور توم ساندرز، خبير التغذية في كلية كينغز لندن، أن التوصيات العامة بخفض الدهون المشبعة تهدف بالأساس إلى تقليل متوسط مستويات الكوليسترول لدى السكان، ما يسهم في الوقاية من أمراض القلب على نطاق واسع، سواء لدى الفئات المعرضة للخطر أو عامة الناس.

وتعزز دراسات أخرى هذا الطرح، إذ أظهرت أبحاث بجامعة أكسفورد أن الأنظمة الغذائية الغنية بالدهون المشبعة قد ترفع مستويات الكوليسترول الضار بنسبة 10% وتزيد الدهون المخزنة في الكبد بنحو 20%، ما يرفع مخاطر أمراض القلب والكبد وداء السكري من النوع الثاني. في المقابل، ارتبط استهلاك الدهون المتعددة غير المشبعة بتحسن ملحوظ في صحة القلب.

ونُشرت هذه المراجعة العلمية في مجلة حوليات الطب الباطني، لتفتح بابًا جديدًا للنقاش حول الدور الحقيقي للدهون المشبعة في النظام الغذائي وصحة القلب.

للمزيد تابع

خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك