نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في اليوم العالمي للغة العربيّة... مثقّفون يشرّحون لـ"النهار" واقعها وتحدّيات التّكنولوجيا - وضوح نيوز, اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025 09:55 صباحاً
وفي المناسبة استطلعت "النهار" آراء عدد من المثقفين العرب حول التحديات التي تواجه اللغة العربية في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي، وسيادة وسائل التواصل الاجتماعي.
الباحثة اللسانية بسمة عبد العزيز هي صاحبة كتاب "مقام الكلام في نكش المألوف من ألفاظ وأحوال" 2024، كرَّمها مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 2017 "تقديراً لجهودها في نشر الثقافة بالعربية الفصحى المُتْقنة". تعتبر عبد العزيز أن التحديات التي تواجهها اللغة حالياً هي الأخطر مقارنة بفترات سابقة، في ظل تراجع الارتباط بها من جانب أبنائها؛ ما يقربها من التحول إلى لغة ثانوية في غير بلد عربي، لمصلحة لغات أخرى، على رأسها الإنكليزية.
وتلاحظ عبد العزيز أنه في إطار التفكك العربي الواسع والعميق والذي يلقي بظلاله على المنطقة بأكملها؛ لا تسلم اللغة العربية من تدهور الحال ولا تأمن من عبث وابتذال.
وترى عبد العزيز، وهي أيضاً روائية وطبيبة نفسية، أن التحديات الراهنة تشمل تراجع الإنتاج العلمي الذي يفرض وجود أي لغة ويحفظ مكانتها على الساحة الدولية، أو حتى غيابه، ولا شك في أن الشعور الداخليّ بالهزيمة يدفع الشعوب إلى استخدام لغة المنتصر والاحتماء بها. وتضيف: "محلياً نجد لافتات وأسماء محال ومشاريع بلغات أجنبية متعددة، ولا محاسبة على غياب اللغة العربية، والحقيقة أن المجمع المصري تقدم بقانون لحماية لغتنا؛ لكنه بقي حبيس الأدراج حتى يومنا هذا".
وتعتقد أن استعادة رونق اللغة العربية أمر هين؛ إذا توافرت الإرادة السياسية، "وذاك حديث ذو شجون؛ إذ تستخدم الجهات الرسمية مفردات غير عربية في المحافل والمخاطبات المتعددة، وأظن أن الجهود الأساسية لا بد من أن تكون مدعومة من الحكومات، لا أن تتعرض للإجهاض على يديها".
عالم الرقمنة
ويقول الشاعر والروائي الفلسطيني المتوكل طه لـ"النهار": "هناك مشكلات وتحديات عديدة تواجهها اللغة العربية في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي، وسيادة وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه التحديات تشمل اللغة في مجالاتها المختلفة، سواء كانت لغة المدرسة والجامعة، أم لغة الصحافة والإعلام بوسائطه المتنوّعة، ومن هذه التحديات والمشكلات: أن العامّية التي كانت تزاحم اللغة المنطوقة، هاجمت هذه الأيام اللغة المكتوبة بشراسة، فأصبح معظم ما يكتب في وسائل التواصل الاجتماعي بالعاميّة، وإن كان بالفصيحة فهو مليء بالأخطاء، ولا يخفى على أحد أن أثر الكلمة المكتوبة أقوى من المسموعة، فالصورة غير الصحيحة للكلمة تنطبع في الذاكرة البصرية، ومع تكرار هذه الصور تصبح مألوفة، ويتم التعامل معها على أنها صحيحة".
ويضيف طه الحاصل على الدكتوراه في الفنون والآداب أن من التحديات الأساسية في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي أن ما فيه من معلومات وبيانات هو أصلاً باللغة الإنكليزية التي أصبحت سيدة اللغات في عصر العولمة، فيما العربية تستجدي ما يُترجم بلغة ركيكة، وهذا ليس بحاجة إلى تعليل، فقوة اللغة من قوة أهلها، وسقى الله أياماً درس فيها غير العرب العربية ليلتحقوا بالجامعات، وينهلوا من ينابيع المعرفة".
ويلاحظ طه الذي أصدر حتى الآن ما يزيد عن خمسين كتاباً في الشعر والسرد والنقد والفكر، وسبق له تولي منصب رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين، أن الباحث عن المعلومة عبر الذكاء الاصطناعي يأخذها مسلّماً بها، مع أن كثيراً من المعلومات فيها، باللغة العربية، غير صحيحة. ويرى أن من الضروري أن تغير مجامع اللغة العربية أدوارها التقليدية، وتدخل عالم الرقمنة والذكاء الاصطناعي من خلال متخصصين في اللغة العربية والبرمجة، وأن تكون هذه سياسة معتمدة، وليست مجرد جهود لأفراد غيورين يعملون بجهدهم الخاص.
معضلة الترجمة
الروائي والمترجم المصري محمد الفولي يرى أن اللغة العربية تعيش حالة من الجمود الفكري، ولا يرتبط هذا بعجزها عن التطور، بل بسبب تشبث الكثيرين بنموذج أو نمط واحد للشكل الذي يجب أن تُكتب به في عالم الأدب؛ وهي مسألة قد تضر كثيراً بتنوع النبرات السردية في الأعمال التي تتضمن أكثر من راوٍ على سبيل المثال، وتحديداً حينما ينتمي كل راوٍ إلى خلفية اجتماعية وثقافية مختلفة.
ويضيف أنه بحكم عمله في الترجمة عن الإسبانية، يواجه عقبات كثيرة في مسألة الحفاظ على اختلاف النبرة السردية التي تكون واضحة تماماً في لغة النص الأصلي؛ لكن حينما تُنقل إلى العربية، وبسبب إصرار بعض المحررين على استخدام لغة معيارية موحدة، فقد يضيع هذا الاختلاف، بشكل أو بآخر، إن لم أصل إلى حلول وسط مع هذا المحرر أو ذاك.
ويضيف صاحب رواية "الليلة الكبيرة" أنه بالنسبة إلى إشكالية العامية واللهجات، لا يرى عيباً في تطعيم النصوص المكتوبة بالفصحى بكلمات ومفردات وتعبيرات عامية؛ "فهذا يحدث في آداب كل اللغات، ويثري النص ويعبر عن هوية الشخصيات، وبالتبعية عن ثقافة مبتكرها". ويقول: "كما أنني أتعجب أيضاً ممن يرفض تطعيم النص بالعامية ما دامت تحقق غرضاً فنياً، ويقبل في الوقت نفسه استخدام تراكيب جمل لا تمت للعربية بصلة في أعماله، ويعد ما يفعله نتيجة طبيعية لتلاقح اللغات، وكأن على العربية أن تتلاقح مع اللغات الأخرى، وأن تحرم نفسها من ثراء لهجاتها المختلفة ومفرداتها العامية".
البلاغة العربية
ويرى الشاعر العراقي المقيم في لندن عدنان الصائغ أنه إذا كان "لكل لسان أحكام في البلاغة تخصه"، كما يقول ابن خلدون في مقدمته، "فقد ذهبت البلاغة العربية بالأمة إلى عصرها الذهبي ثم عادت لتنكص بها في عصرنا النحاسي هذا، متقهقرةً أمام لغة الكمبيوتر والمصطلحات الفضائية والإلكترونية والطبية والفيزيائية وغيرها". ويضيف صاحب ديوان "مرآتان لوجه واحد" أن صفي الدين الحلي انتبه إلى تلك المعضلة قبل مجامع اللغة العربية بقرون في قصيدته التي منها "أنما الحيزبون والدردبيس والطخا والنقاخ والعطلبيـسُ، وإلخ"، منبهاً إلى أنها أصبحتْ "لغة تنفر المسامع منها وتشمئز النفوس"، مطالباً بتشذيبها مما تيبس فيها من أغصان وأوراق متآكلة، ذلك لأن اللغة كالحياة تتجدد بتجددها وتتجمد بتجمدها.
ويضيف الصائغ: "لقد لفت اِنتباهي في اللغة السويدية، مثلاً، تجنب صيغة الأمر من باب التأدب أو تقليل الرهبة - كما يرى أوكه فيبري، وشارستين بالارديني، وسوني شارنلوف، في كتاب "قواعد اللغة السويدية" - وذلك بتوجيه كلام الأمر وصياغته على شكل سؤال مطروح للشخص إن كان بإمكانه القيام بالشيء المرجو تنفيذه، مثل: - هل يمكنك فتح النافذة؟- Kan du öppna fönstret? أو في اللغة الانكليزية، مضافاً إليها "من فضلك"ً: - Could you open the window, please?.. وليس باِستخدام فعل الأمر: "اِفتحِ النافذة"، أو "قمْ للمعلم وفه التبجيلا..."، مثلما طلب أحمد شوقي - برغم شرف الطلب وأهمية الأمر - في قصيدته تلك، في أول درسٍ من دروس التعليم التي تريك ما فَعَلَ "فعلُ الأمر" في خطابنا العربي".




0 تعليق