لا تزال مفاهيم خاطئة راسخة لدى العامة، بل ولدى بعض شباب الأطباء، مفادها أن السخونة مرض بحد ذاته، بينما الحقيقة الطبية الثابتة أنها عرض لمرض ظاهر أو متخفٍ، وليست تشخيصًا قائمًا بذاته. وهي حقيقة يجب أن تُرسَّخ أولًا في أذهان طلاب القطاع الطبي بمختلف تخصصاته: الطب، والأسنان، والصيدلة، والعلاج الطبيعي، والتمريض.

إن علاج السخونة لا يقتصر على إعطاء خافضات الحرارة، ولا يبرر الاستخدام العشوائي لأنواع متعددة من المضادات الحيوية أو مضادات الفيروسات والفطريات، إذ إن هذا النهج الخاطئ قد يؤدي إلى مقاومة بكتيرية خطيرة تهدد فعالية العلاج مستقبلًا.

الأخطر من ذلك، أن تأخر التعرف على السبب الحقيقي للسخونة قد ينعكس سلبًا على حالة المريض، خاصة في حالات التعفن أو الإنتان الناتج عن وجود بؤرة صديدية محتبسة، كان يتوجب التعامل معها جراحيًا أو تفريغها أولًا قبل البدء في أي علاج دوائي. ومن المؤسف أن يؤدي الإهمال في التعامل مع السخونة إلى صدمة إنتانية قاتلة كان يمكن تفاديها.

وقد تكون السخونة ناتجة عن أمراض غير معدية، أو اضطرابات مناعية، أو حتى عن تكسير الخلايا السرطانية أو الأنيميا التكسيرية، فكيف يستقيم في هذه الحالات إعطاء مضادات حيوية بلا داعٍ؟

كما قد تنشأ السخونة بسبب تلوث جسم غريب داخل جسد المريض، مثل القسطرة البولية، أو الكانيولا، أو القسطرة المركزية، أو منظم ضربات القلب، أو الصمامات الصناعية. فهل يجدي خافض الحرارة أو المضاد الحيوي دون إزالة السبب الحقيقي للعدوى؟

إن مملكة البكتيريا عالم معقد له تقسيمات متعددة: كروية أو عصوية أو حلزونية، هوائية أو لاهوائية، موجبة أو سالبة لصبغة جرام. فهل من المنطقي وصف مضاد حيوي لمجرد وجود سخونة، دون أي تشخيص علمي دقيق؟

بل إن العدوى قد تكون طفيلية مثل الأميبا أو التريبانوسوما أو الملاريا أو الليشمانيا، وقد تكون فيروسية أو فطرية، وهو ما يجعل الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية بلا جدوى، بل وخطيرًا.

إننا نطلق هذه الصرخة قبل فوات الأوان، فغير المقبول أن تتحول الأخطاء الطبية إلى سبب مباشر في فقدان أرواح المرضى. نحن بحاجة ماسة إلى رفع مستوى الوعي الطبي، حفاظًا على حياة الناس، امتثالًا لقوله تعالى:

«ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا».

للمزيد تابع

خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك