نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كيف تدعم الدولة الصناعة دون المساس بتوازن السوق؟ - وضوح نيوز, اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025 11:20 مساءً
تابع قناة عكاظ على الواتساب
حين تُعلن الدولة قراراً يحظى بترحيب واسع من المستثمرين والمصنّعين، فالقيمة الحقيقية لا تكمن في حجم الأثر المباشر وحده، بل في الطريقة التي صيغ بها القرار، والمنهج الذي يقف خلفه. فالدعم، حين يأتي من الدولة، ليس مجرد تخفيف عبء، بل رسالة اقتصادية وتنظيمية تقول إن النمو لا يُفرض، بل يُمكن، وإن السوق لا يُدار بالتوجيه المباشر، بل بإزالة العوائق التي تعيق حركته الطبيعية.
ويأتي قرار مجلس الوزراء بإلغاء المقابل المالي على العمالة الوافدة في المنشآت الصناعية المرخصة نموذجاً واضحاً لهذا التوازن الدقيق. فهو قرار يحقق دعماً مباشراً للقطاع الصناعي، دون أن يخل بقواعد السوق أو يخلق تشوهات تنافسية، لأنه لم يفرض امتيازاً انتقائياً، بل عالج تكلفة كانت تؤثر على القدرة التشغيلية والإنتاجية لشريحة واسعة من المصانع، الصغيرة منها والكبيرة.
والأهم من القرار ذاته، هو ما يكشفه عن فلسفة القيادة التي تقف خلفه. فمنذ انطلاق رؤية 2030، رسّخ الأمير محمد بن سلمان نهجاً إستراتيجياً في إدارة التحول الاقتصادي، قوامه الاقتراب من الواقع لا الاكتفاء بالتقارير، وفهم التحديات من موقع من يلمس أثرها، لا من يراقبها عن بُعد. ولهذا، لم يكن التعامل مع تكاليف الصناعة مجرد مسألة أرقام، بل قراءة مباشرة لما يواجهه المصنع، والمستثمر، وسلسلة الإنتاج بكاملها.
وفي هذا السياق، يبرز هذا القرار بوصفه امتداداً لنهج يضع تيسير الحياة الاقتصادية في صميم القرار العام، لا باعتباره تنازلًا، بل باعتباره استثمارًا في الاستدامة. فالقائد الذي يختار إزالة العائق بدل تحميله، وتخفيف العبء بدل تعقيده، إنما يراهن على أن السوق إذا مُنح المساحة سيقوم بدوره بكفاءة أعلى، وسيُنتج قيمة تتجاوز كلفة الدعم ذاتها.
ومن زاوية قانونية، يلفت النظر أن الدولة اختارت أداة تحفيزية تنظيمية بدلاً من التدخل الإلزامي. فلم تُغير قواعد المنافسة، ولم تفرض مسارات تشغيلية، ولم تتدخل في تسعير المنتجات أو هيكلة الأجور، بل اكتفت بإزالة عبء مالي كانت تتحمّله المنشآت ضمن إطار نظامي سابق، وأعادت توجيه السياسة العامة بما يخدم هدفًا إستراتيجيًا أوسع: تعزيز تنافسية الصناعة الوطنية واستدامتها.
اقتصادياً، ينعكس هذا النوع من القرارات بشكل مباشر على السيولة، والقدرة على التوسع، وتحسين كفاءة التشغيل. فخفض التكلفة لا يعني فقط تحسين الربحية، بل يفتح المجال أمام الاستثمار في التقنية، والتدريب، ورفع الإنتاجية، وزيادة القدرة على النفاذ إلى الأسواق الخارجية. وهي عناصر لا تُفرض بنص، بل تُبنى بقرارات تُحسن بيئة العمل وتمنح المستثمر مساحة حركة أوسع.
غير أن قوة هذا النهج تكمن أيضاً في حسن إدارته على المدى المتوسط والطويل؛ فالدعم الذكي لا يُقاس باستمراره، بل بقدرته على تمكين القطاع من الوقوف بذاته، وتحويل التخفيف المؤقت للتكلفة إلى توسع حقيقي، ورفع في الكفاءة، وزيادة في القيمة المضافة. وهنا تتقاطع مسؤولية الدولة مع مسؤولية القطاع الصناعي في استثمار هذا القرار بما يحقق الأثر المرجو منه.
واللافت أن هذا القرار لا يُقرأ بمعزل عن سياقه؛ فهو جزء أصيل من مسار واضح تبنته الدولة خلال السنوات الماضية، قائم على تمكين القطاعات الإنتاجية، وتحفيز الاستثمار طويل المدى، وربط الدعم بالأثر الحقيقي لا بالشكل. وهو ما يفسر الأرقام المتحققة في القطاع الصناعي من نمو في عدد المصانع، وحجم الاستثمارات، والصادرات غير النفطية، وتوليد الوظائف.
في المحصلة، يقدّم هذا القرار مثالاً عملياً على كيفية تدخل الدولة دون أن تزاحم السوق، وكيف تدعم الصناعة دون أن تُربك المنافسة، وكيف تستخدم الأداة التنظيمية بوصفها محركاً للنمو لا قيداً عليه. وهي مقاربة تعكس نضجاً اقتصادياً وتشريعياً، وتؤكد أن بناء اقتصاد قوي لا يقوم على توسع التدخل، بل على دقته وحسن توقيته.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : كيف تدعم الدولة الصناعة دون المساس بتوازن السوق؟ - وضوح نيوز, اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025 11:20 مساءً









0 تعليق