يُصنّف مسلسل "لعبة العروش" كأحد أعظم الأعمال في تاريخ الدراما العالمية؛ عملٌ بنى أسطورته على صراع شرس بين عائلات تتقاطع طموحاتها عند العرش الحديدي، حيث لا ثابت سوى تبدّل الأدوار.

القوي يسقط حين يظن أنّ عرشه أبدي، والضعيف يصعد حين تأتي لحظته، وبين هذا وذاك تُكسر كل التوقعات وتُكتب حكايات لا تشبه ما قبلها. تلك الفوضى المنظمة، التي خطفت أنفاس المشاهدين من المشهد الأول حتى اللحظة الأخيرة، يبدو أنها وجدت امتدادها الواقعي في القارة الأفريقية.

أفريقيا، قبل انطلاق كأس الأمم 2025، تعيش نسختها الخاصة من "اللعبة". موازين القوى تهتز، عروش قديمة تتداعى، وأخرى تُبعث من جديد، بينما تظهر وجوه صاعدة تهدّد الموروث الكروي لمن اعتادوا السيطرة.

القارة السمراء تدخل مرحلة يُعاد فيها توزيع النفوذ، وتُرسم خرائط جديدة يصعب التنبّؤ بملامحها، ليتحوّل الصراع الكروي إلى نسخة حيّة من صراع العروش، كلٌ فيها يبحث عن لمس الأميرة السمراء والجلوس على العرش الحديدي الذي لم يعد محجوزاً لأحد.

عرب شمال أفريقيا: "عائلات اللعبة"
كانت مصر لسنوات طويلة "سيدة" القارة، تمتلك التاريخ والبطولات والهيمنة التي لا ينازعها فيها أحد. لكن النسخة المقبلة تأتي في لحظة تراجع واضح؛ أداء غير مستقر، غياب الهوية، وخوف جماهيري من خروج مبكر. لم يعد كبير أفريقيا مرشحاً كالعادة، بل بات يبحث عن استعادة جزء من نفوذ الماضي.

منتخب مصر لإرضاء شعبه في كأس أمم أفريقيا 2025. (وكالات)

في المقابل، يظهر المغرب بثوب المنتخب العالمي؛ منظومة متماسكة وتطوّر لافت منذ كأس العالم 2022. ومع ذلك، ما زالت أفريقيا عصيّة عليه، فآخر لقب يعود لعام 1976. يدخل "الأسود" هذه النسخة كأقوى المرشحين، بحثاً عن إثبات عالميتهم داخل القارة نفسها.

أما الجزائر، بطلة أفريقيا مرّتين، فهي قوة حقيقية لكنها صامتة. رغم جودة اللاعبين، لا يُصنّف "الخضر" كمرشح أول، ولا يحظون بالضوء الذي يستحقونه. لكنهم قوة كامنة لا يُستهان بها إذا قرّروا قلب الطاولة.

وتأتي تونس كأكثر المنتخبات دهاءً؛ أداء ثابت في التصفيات وشخصية قوية، وصولاً إلى نتائج لافتة في تصفيات كأس العالم، وآخرها مواجهة البرازيل. فهي "لانستر" العرب، وقد تكون "الحصان الأسود" في البطولة.

صعود عائلات جديدة إلى صدارة اللعبة
لكن القارة لم تعد حكراً على الكبار. فمنتخبات كانت خارج الصورة بدأت تقتحم المشهد بقوة. قدّم الرأس الأخضر أداءً مميزاً في النسخة الماضية، ثم فجّر المفاجأة بالتأهل إلى كأس العالم 2026 رغم قوة مجموعته. منتخب منظم، مقاتل، وطموح، يشبه العائلات التي تظهر من الأطراف وتغيّر موازين القوة.

تبرز الكونغو كأحد أكثر المنتخبات تطوّراً، إذ اقتربت من التأهّل إلى المونديال بعد وصولها إلى الملحق الدولي على حساب نيجيريا، مقدمة كرة هجومية وشخصية قوية. فهي قوة صاعدة تطرق أبواب العرش بلا تاريخ كبير، بل بسيف الأداء والطموح.

أين الكبار؟
إلا أنّ المشهد لا يكتمل من دون ذكر نيجيريا، العملاق الذي اختفى فجأة، وودّع سباق المونديال، والكاميرون التي فقدت هويتها رغم أنها ثاني أكثر المتوّجين في تاريخ البطولة.

قارة العروش تنقلب
كأس أمم أفريقيا 2025 تبدو نسخة استثنائية؛ إنها ساحة تتصارع فيها القوى القديمة والجديدة: بعضهم يسعى لاستعادة العرش، وآخرون يتجهزون للانقضاض عليه للمرّة الأولى. الجمهور أمام بطولة قد تغيّر ملامح القارة لسنوات طويلة، وتمثل بالفعل إعادة كتابة لخريطة "لعبة العروش الأفريقية".