قرار أوروبي يهزّ معادلات الحرب في السودان: المدنيون في صدارة المشهد - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قرار أوروبي يهزّ معادلات الحرب في السودان: المدنيون في صدارة المشهد - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025 12:35 مساءً

لم يكن القرار الذي أصدره البرلمان الأوروبي في السابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي مجرّد إدانة جديدة تُضاف إلى سلسلة بيانات دولية اعتادت الحرب السودانية أن تجتازها بلا أثر. بدا القرار هذه المرّة أشبه بلحظة يقظة؛ إعلانٍ يضع السودان في قلب الخطر العالمي، ويعيد ترتيب أولويات السياسة الأوروبية على ضوء كارثة إنسانية يتجاوز صمتها حدود الاحتمال.

فالحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي تقترب من نهاية عامها الثالث، لم تعد في نظر أوروبا نزاعاً داخلياً يمكن احتواؤه. لقد تحوّل السودان إلى مساحة تتهاوى فيها مؤسسات الدولة، ويتشرد فيها الملايين، وتغدو حياة المدنيين عالقة بين الجوع والخوف والاقتلاع: ثلثا السكان باتوا في حاجة إلى المساعدة، وأحد عشر مليوناً هُجّروا قسراً داخل البلاد وخارجها. هذا الاعتراف بانهيار الدولة، بكل ما يحمله من وضوح سياسي، ينقل السودان إلى مرتبة تختلف جذرياً عمّا كانت عليه في الخطاب الدولي السائد.

وجاء القرار ليحمّل الطرفين تبعة ما آلت إليه البلاد، واضعاً الجيش والدعم السريع في خانة واحدة من حيث الانتهاكات والجرائم وتقويض ما تبقّى من بنية الدولة. لا شرعية للقوة، ولا تفوّق أخلاقياً لطرف يرفع السلاح في وجه المدنيين. وفي هذا السياق، تبرز لهجة أوروبية قاطعة ترفض أن تكون العسكرة أساساً للحكم أو مدخلًا إلى أي ترتيبات سياسية مقبلة.

غير أنّ ما يلفت في القرار ليس إدانته فحسب، بل إعادة تشكيله للمشهد السياسي من الداخل. فقد منح القوى المدنية موقعاً مركزياً في أي حلّ، معتبراً أنّ مستقبل السودان لا يُصان إلا حين تتصدر القوى المدنية الديموقراطية، بما فيها النساء والشباب، الممكنات السياسية. كأن البرلمان الأوروبي يعيد تذكير العالم بأن في السودان مجتمعاً لا يزال قادراً على إنتاج رؤية رغم الحروب، وأن الدولة، مهما انهارت، تستطيع أن تستعيد وظائفها إذا انطلقت من قاعدة مدنية صلبة.

ومع هذا التحول السياسي، ترتفع نبرة المساءلة الدولية. فالقرار يفتح الباب أمام توسيع العقوبات، ويستهدف شبكات التمويل العابرة للحدود، ويضع أسساً قد تقود إلى توسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية لتشمل السودان بكامله. وهو تطوّر مهم، وانتقال من الاستنكار الأخلاقي إلى بناء إطار تشريعي وقانوني يسمح بمحاسبة فعلية، ويضع حدّاً لثقافة الإفلات من العقاب التي لطالما حكمت دورات العنف في البلاد.

وعلى المستوى الإقليمي، يحمل القرار رسائل لا تقل حدّة. فالجهات المتورطة في تغذية الحرب تواجه الآن ضغطاً سياسياً وقانونياً مباشراً، فيما تجد الرباعية الدولية (الولايات المتحدة والإمارات والسعودية ومصر) في هذا الموقف دفعة جديدة لتحريك مسار وقف النار، هدنة إنسانية تتيح فتح الممرات لإيصال الإغاثة إلى المتضررين.

ومع أنّ القرار يضيء جوانب متعددة من الأزمة، تبقى الخلاصة التي يحملها واضحة: لا حلّ عسكرياً في السودان. لقد أثبتت الحرب أنّ القوة لا تملك جواباً، وأن البلاد لا يمكن أن تُستعاد إلا عبر انتقال مدني يعيد للدولة معناها ولمجتمعها قدرته على الحياة. وهذا ما يجعل القرار فرصة نادرة للسودانيين، ولا سيما منهم القوى المدنية التي تجد نفسها اليوم أمام اعتراف دولي بدورها، وإمكان استثمار اللحظة لانتزاع مسار سياسي جديد.

إنّ ما فعله البرلمان الأوروبي هو ببساطة إعادة السودان إلى خريطة الاهتمام العالمي. قرار يرفع الغطاء عن المأساة، ويضع حدوداً واضحة للشرعية، ويرسم معالم طريق يمكن أن تقود، إن توافرت الإرادة، إلى سلام عادل ومسار مساءلة لا يساوم على حقوق الضحايا. وفي زمن تنهار فيه دول تحت ثقل الحروب المنسيّة، يأتي هذا القرار ليقول إن السودان ليس تفصيلًا، بل اختبار أخلاقي وسياسي لضمير العالم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق