تُمثل نيوم (NEOM)، المشروع العملاق الذي يجري تنفيذه في شمال غرب المملكة العربية السعودية، أكثر من مجرد مدينة؛ إنها تجسيد طموح لرؤية المستقبل، ومركز عالمي للابتكار والعيش المستدام. يهدف المشروع، الذي يُعد أحد الركائز الأساسية لرؤية 2030، إلى إنشاء وجهة حضرية ومعيشية تستند إلى تقنيات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي، متجاوزة بذلك مفاهيم المدن التقليدية. يقع هذا المشروع على مساحة شاسعة تمتد عبر تضاريس متنوعة، من السواحل البكر على البحر الأحمر إلى الجبال الشاهقة والصحاري المذهلة، مما يمنحه إمكانيات غير محدودة للنمو والابتكار.

ذا لاين وأوكساجون: نماذج جديدة للحياة الحضرية

يندرج تحت مظلة نيوم عدد من المشاريع الرائدة التي تعيد تعريف مفهوم العيش الحضري والاستدامة. أبرز هذه المشاريع هو "ذا لاين" (The Line)، وهي مدينة خطية بطول 170 كيلومتراً مصممة لتكون خالية تماماً من السيارات والطرق، وتعمل بالكامل بالطاقة المتجددة. سيتمكن سكان "ذا لاين" من الوصول إلى جميع المرافق والخدمات الضرورية خلال خمس دقائق سيراً على الأقدام، معتمدين على وسائل نقل فائقة السرعة تحت الأرض للرحلات الطويلة. أما مشروع "أوكساجون" (Oxagon)، فيُمثل نموذجاً مبتكراً للمدينة الصناعية العائمة، حيث تم تصميمها لتكون مركزاً عالمياً للخدمات اللوجستية والتجارة، مع التركيز على الاستدامة والاعتماد على الطاقة النظيفة. هذه النماذج تثبت التزام نيوم بتوفير حلول جذرية للتحديات البيئية والحضرية التي تواجه العالم.

الطبيعة والاستدامة: حماية البيئة الساحلية والجبلية

يضع مشروع نيوم الاستدامة والحفاظ على البيئة الطبيعية في صميم رؤيته. تلتزم نيوم بالحفاظ على 95% من أراضيها كمحميات طبيعية، مع التركيز على إعادة التوازن البيئي واستعادة التنوع البيولوجي. المنطقة الساحلية على البحر الأحمر تتميز بكونها من أجمل وأغنى المناطق في العالم بالشعاب المرجانية والحياة البحرية، وتعمل نيوم على تطويرها بطرق تضمن حماية هذه الموارد الهشة. كما أن المنطقة الجبلية، خاصة في مشروع "تروجينا" (Trojena)، الذي يهدف إلى توفير وجهة سياحية جبلية على مدار العام بما في ذلك أنشطة التزلج في الشتاء، سيتم تطويرها وفقاً لمعايير بيئية صارمة لتقليل التأثير البيئي على المرتفعات. هذا التركيز يؤكد أن نيوم تسعى لتكون مدينة مستقبلية صديقة للبيئة وليست مجرد مركز اقتصادي.

الابتكار التكنولوجي وإثراء الاقتصاد المعرفي

تعتمد نيوم بشكل أساسي على الابتكار التكنولوجي المتقدم لتكون مركزاً عالمياً للاقتصاد المعرفي. يتم تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، والبيانات الضخمة، لتشغيل جميع جوانب المدينة، بدءاً من البنية التحتية الذكية وحتى خدمات الحياة اليومية. يهدف المشروع إلى جذب العقول والمواهب العالمية لـ 13 قطاعاً اقتصادياً رئيسياً، منها الطاقة والمياه والإعلام والترفيه والسياحة. سيتم استخدام التقنية لتوفير أعلى مستويات الأمان والخدمات الصحية المتقدمة والتعليم، مما يجعل نيوم بيئة جاذبة للمبتكرين والشركات الناشئة. هذا التركيز على التكنولوجيا يهدف إلى خلق بيئة عمل فائقة الكفاءة تُحسن من جودة حياة السكان وتضع المملكة على خريطة المستقبل التكنولوجي.

في الختام، تُعد نيوم إعلاناً جريئاً عن مستقبل المدن والعيش المستدام، حيث تُحول الصحراء إلى مركز للابتكار والتكنولوجيا العالمية. من خلال نماذجها المعمارية الثورية مثل "ذا لاين"، والتزامها القاطع بالحفاظ على البيئة، واعتمادها على الذكاء الاصطناعي في كل تفاصيل الحياة، لا تهدف نيوم إلى مجرد بناء مدينة جديدة، بل إلى بناء معيار عالمي جديد للرفاهية البشرية والتنمية الاقتصادية المستدامة.