"جونلة" ساحرة على باب القمر - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"جونلة" ساحرة على باب القمر - وضوح نيوز, اليوم السبت 13 ديسمبر 2025 09:15 صباحاً


 جمع جمال أبو الحسن ألوان الفصول في شتاءٍ قرب وجاق، ورسمها روعة على تنورة راقصة باليه، فجاءت لوحته كلمات متمرّدة خارج كلّ إطار، خصبة المعاني، سلسة التناغم، لولبيّة الحركة، وئاميّة الانسجام وساحرة الحلم.

   قالت فرشاة الرسّام وكأنّها تنادي الراقصة: لا تصدّقيهم، فأنت لست أسيرة نظر أو إطار، فأنت جميلة غير مستهلكة كعود ثقاب. وهكذا أنا أرى الحياة حين ينبض الفنّ في شرايين الفنّان.

   جسد نصف مكشوف، الجميع يغزونه بنظرات ليكتشفوا ما تحت الجونلة، غافلين أن من يرتديها امرأة وقفت على باب القمر، وظلّ الباب نصف مفتوح. ففي الرقص نستوي مع القبائل الهمجيّة، لكنّ الامتياز الحقيقيّ هو أنّ الفن يبقى نوراً يدحر الظلمات.

   حين وضع الفنّان أصابعه على زند الفرشاة، كانت بداية العزف المرئي للفلاسفة والمتصوفه. وظهرت لوحة لم تخرج عن نصوصهم، لنقرأ لغة ألوان الطبيعة تتمايل في تماوج نسيج تنّورة. لأنّ الموسيقى الآن ملائكيّة، من دون صخب إبليسيّ. فالخروج من اللوحة يستلزم الكفر.

   لا يعني المشاهد أمر الموسيقى بقدر ما يعني للفنّان، لأنّ امرأة اللوحة هي السُلّم الموسيقي. ففي حركة يديها تريه حضارات الكون، وإن استطاع الدخول تحت مكياجها، فإنّه لن يستطيع الدخول في متاهة تماوج تنّورتها ولمس إيقاعها السابع. لأنّ اللوحة وضعتنا في مقياس معاكس للشهوة، مقياس يؤكّد هروبنا من أحلام يقظتنا، هروب يتناسب عكسياً من اقترابنا من رِجلين لا تتباعدان عن بعضهما إلّا للفنّ.

  رسم جمال أبو الحسن موسيقى صامتة، والموسيقى لوحة تتكلّم. إذ تشترك الأنغام والرسم في ارتباطٍ بالمتخيّل والإيحاء والإلهام والرؤية الفنيّة والجماليّة. فتصوير السُلّم الموسيقي في جسد امراة، تلقائيّة افتراضيّة تمنح الجمال لّلوحة، ويُدخلنا الرسّام في زهد اللون والتكثيف والتبسيط والحركة الإيمائيّة الجميلة والإيحاء بالرسم.

   تحدّثنا اللّوحة عن راقصة مدموجة بأحاسيس المُشاهد، تقف في ردهة سماوية تخيليّة، وتنظر في مَشاهد تدور أمامها، كأنها خارجة من ثقبٍ أسود إلى حياة جديدة. مشاهد متمثّلة في زرقة سماء، ينزل منها غصنٌ عارٍ يحلم بكِساء ببهاء ألوان تنّورة، عند أندماجها بصوت الموسيقى الصامت كهمس الريح في الخريف.

   رسم أبو الحسن لوحة موسيقيّة، استقت إشراقتها من ألوان الفصول الأربعة، لتصبح فصلاً واحداً من وحي تجربة رؤيويّة ثلاثيّة الأضلاع: موسيقى صامتة واستحضار طبيعة ورهافة وجدان. 

   كلّ من يشاهد حفلاً راقصاً، أو ينظر إلى لوحة راقصة باليه، ينشغل بالجمال المتّقن عن ألم الأقدام. يحضرنا هنا قول للأديبة ماري القصيفي: 
"كقدميّ راقصة باليه ترفرف...
لا تصغي قصيدتي عند نهاية العرض إلاَ لألمها.."

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق