نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بيضاء الفل - وضوح نيوز, اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025 03:25 مساءً
ريمون مرهج
تقطن في قرية نائية على سفح جبل من جبال لبنان. منذ طفولتها كانت تمتلك شخصية نادرة الوجود، مجبولة بالحكمة والبراءة والتضحية.
يتدفق من أعماقها شلال حنان وحبّ وطهارة. أسارير وجهها دوماً ساطعة، متألّقة، متوهّجة، تنضح بالحياة، وفي بريق مقلتيها عالم من الأسرار والخيال يقطنان في أعماقها.
مميزة منذ صغرها، ترغب في المجازفة والمخاطرة، وتهوى الطبيعة والركض مع الصبية. تتأمل السماء بصمت، وترغب في السير على الدروب تحت المطر ومع الرياح.
في قلبها ملاك ليس من هذا العالم، فلغتها لا يفقهها البشر، إلا أنها كانت تنطق بحسب بيانهم ولسانهم حينما تحدثهم. أمنياتها كثيرة، ولكن القدر والحزن كانا لها بالمرصاد، فطارداها دوماً، لأنهما يعلمان من هي، ويدركان أن في روحها عطر السماء، وفي قلبها لمسة الملائكة. لكنها لم تنكسر يوماً؛ عنيدة جداً في مواجهة الصعاب والعثرات. نقية تقية في إيمانها بالخالق، مرهفة الإحساس شفافة، تمتلك موهبة الكتابة، وتعشق الموسيقى والأزهار، وأوّلها الفلّ الأبيض. لم تحظَ بمن أحبّ قلبها في أول صباها، فالقدر سرقه وأبعده. مرت السنون، ونمت بالحكمة والطيبة والقامة. تزوّجت فغدت زوجة مخلصة وأماً حنونة رائعة؛ همها الوحيد أن يكون أحباؤها بخير، وهمها الأكبر أن ترضي السيدة العذراء أم يسوع. تحيا بقناعة، وترضى بكل أمر يحفظ كرامتها، مهما كان صعباً. واجهت الكثير من المصاعب وانتفضت بوجه القضاء المحتوم، فأبت إلا أن تكون سيدة راقية مثقفة ومتواضعة. قلبها ناصع كالثلج، وفكرها منفتح على الصغير قبل الكبير. تتزين بالأناقة والحشمة معاً. واجهت متطلّبات العيش والحياة بيدها، فتحدت كل العقبات وانتصرت.

هي ربة منزل قديرة. حينما احتاجت العمل لتلبي حاجات عائلتها لم تتردد أبداً، كما تعلمت القيادة في سنّ متأخر لأجل الوصول إلى مكان وظيفتها، فلم تخف، ولم تأبه لأي أمر يصادفها، بل كانت حكيمة وشجاعة في الحلول والمعالجة. وكم شاءت الظروف أن تتصرف كرجل نبيل وواع، وكامرأة حنونة وساحرة معاً! كلما أصابها الألم والأسى تلجأ إلى زهرة الفل وتتنشق عبيرها، ثم تنظر إلى رب السماء وتحدثه قائلة: "أنا في قلبك، وعليك أتكل، ومعك لا أهزم". كانت تعتقد أنها الوحيدة في جبلة روحها ومبادئها، والوحيدة في منهج عقلها وأفكارها. فكانت تشعر بالوحدة إلى أن جمعتها الصدفة بالحارس الأمين، فهو توأم روحها، يتكلم لغتها، ويفهمها في صمتها. كيف لا وهما من وطن واحد، أتيا إلى هذا العالم واتحدا بعد لقائهما بروح واحدة للأبد، وغدا رابطهما المقدس قوة لا تقهر بوجه مكائد هذه الدنيا وذئابها وشرها.
هي بيضاء الفل تغرّد، وتنثر عطر قيمها وتعاليمها وحبها بين البشر، وتؤمن بأن الحياة في هذه الدنيا مجرد رحلة قصيرة ستنتهي لتعود إلى موطنها. هناك تحيا بحرية، وتحلم بحرية، وتشعر بحرية، من دون أن تتقيّد بتعاليم هذا العالم وأعرافه؛ فهي بعيدة كلّ البعد عن أصحاب العقول الجاهلة والفاسدة ذات النوايا السيئة والمتسلطة.






0 تعليق