نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مَنْ يخدم إسرائيل؟ - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 12 ديسمبر 2025 01:45 صباحاً
2003-02-13
قد يكون يوم غد الجمعة مصيرياً بالنسبة الى مستقبل الشرق الأوسط ومستقبل التحالفات والعلاقات الدولية ومستقبل علاقة الشرق بالغرب ومستقبل حوار الحضارات والاديان. فقد يكون لتقرير هانس بليكس امام مجلس الامن الفعل الحاسم في عملية اعادة رسم العالم التي بدأت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي اوائل التسعينات. بات من شبه المؤكد ان الولايات المتحدة، وفي معزل عن اي قرار دولي يُتّخذ نتيجة التقرير، ماضية الى النهاية في حربها على نظام صدام حسين - اذ يبدو ان المعادلة اصبحت ان يسقط صدام ولو دون حرب او يسقط بوش - رغم مواقف فرنسا وألمانيا وروسيا، مع العلم ان البعض اعتبر ان هذه المواقف مبدئية وستتغيّر.
بمعنى آخر، دخلنا اليوم مرحلة “البيع والشراء” على صعيد تركيب التحالفات، مما يعني ان بورصة تأييد او عدم تأييد اميركا في حربها على النظام العراقي قد بدأت. ويهمنا، بعيداً عن اجواء المزايدات او البورصات او البيع والشراء، ان نوضح نقاطا عدة نعتبرها اساسية في ما يتعلق بمصير المنطقة سواء لناحية التعايش او التفاعل بين شعوبها او لناحية مستقبلها السياسي والجغرافي.
عدد 2003-02-13.
ان اعتبار اي حرب قد تُشن على النظام العراقي حرباً مسيحية على الاسلام أو حرباً صليبية، هو هرطقة سخيفة ومرفوضة جملة وتفصيلاً. والكلام الذي صدر اخيراً عن اسامة بن لادن كلام مفخخ لا غاية له الا اشعال الفتن الطائفية والمذهبية في المنطقة والعودة بنا الى عصور الجاهلية، الى التخلف والفراغ. وهذا كلام لا يخدم الا اعداء العرب والاسلام. والجميع يعرفون ان بن لادن الموتور والظلامي لا يملك اي مشروع سوى الحقد والعنف والانتقام من الجميع عبر حروبه الجاهلية التي يخوضها ضد اي شكل من اشكال الحضارة والتقدم مستعملاً العصبية الدينية لتحريك المشاعر.
فلا الغرب يمثل المسيحيين، ولا المسيحيون هم فقط من الغرب، ولا العالم العربي يمثل كل الاسلام ولا العرب بأجمعهم مسلمون. وهنا لا بد من ان نذكّر البعض بأن الاكثرية الاسلامية هي من خارج العالم العربي ومن دول تتحالف وتقف بجانب الولايات المتحدة، بينما الكثير من دول الغرب “المسيحية” يقف ضد اميركا في حملتها على النظام العراقي، دون ان ننسى طبعاً موقف عاصمة الكثلكة، الفاتيكان.
ولا لزوم للتذكير بموقف الكنيسة المسيحية المشرقية التي هي أمّ الكنائس والتي وقفت وما زالت ضد اسرائيل في معركة من اشرس المعارك في القدس وفلسطين. على كل حال مسيحيو الشرق ليسوا في حاجة الى براءة ذمة من احد ولا الى تبرير اي موقف من مواقفهم، لأنهم من هذه الارض، لئلا نقول من اصحابها الاساسيين، ولئلا نردد قول البطريرك اغناطيوس الرابع اننا في هذا الشرق اصحاب الارض، فلسنا دخلاء، وأهلاً وسهلاً بكل الطوائف والمذاهب عندنا. انطلاقاً من هذه الحقيقة قد يكون اللعب بالنار، نار الطائفية، نار الجاهلية، نار التخلف، كما يقترحه بن لادن وبقية الجهلاء في حال وقعت الحرب ضد العراق، قد يكون هذا اخطر الامور التي قد تضرب الشرق الاوسط مما يؤدي الى نهاية خصوصية هذه المنطقة التي هي في الاساس مهد الاديان والطوائف والحضارات.
فالحرب على نظام صدام حسين لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالطائفية او المذهبية، ولا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالمسيحية، ولا علاقة لها بصراع الحضارات، وليست حرب الغرب على الشرق. انها معركة سياسية ضد نظام سياسي طاغٍ، معركة بدأت بعد اجتياح العراق للكويت وبعد مطالبة الدول العربية والاسلامية وغيرها، والمجتمع الدولي، اميركا والحلفاء بالتدخل عسكرياً لوضع حد لجنون صدام حسين.
ولا لزوم للتذكير بأنّ ما بدأ يوم تحرير الكويت وفَرْض الحظر على النظام العراقي لم ينته يومها، والجميع تساءلوا لماذا لم تتابع قوات التحالف زحفها على العراق لاسقاط صدام حسين. حينها اعتبر البعض ان اسقاط النظام العراقي قد يسقط مبرر بيع الاسلحة الاميركية للدول الخليجية نتيجة زوال الخطر عليها، ويسقط مبرر وجود القوات الاميركية في الخليج… وقال البعض انه مع بقاء صدام يبقى مبرّر حرب جديدة في المنطقة لاعادة رسم خريطتها الجيوسياسية ساعة تتضح صورتها التي يبدو انها لم تكن جاهزة بعد مطلع التسعينات. اما اليوم، وربما مع اتضاح صورة مستقبل العالم والمنطقة، فقد يكون حان وقت متابعة ما كان قد بدأه بوش الأب، أي اسقاط صدام حسين من اجل اطلاق عنوان اساسي وكبير لمستقبل المنطقة: التحرر والديموقراطية وربما السلام. ان الحرب الآتية هي حرب سياسية لا علاقة لها بحوار الحضارات ولا بحوار الطوائف ولا بالحوار بين الغرب والشرق.
وقد يكون بمثابة الانتحار دمج الاسباب السياسية لهذه المعركة بأمور طائفية او مذهبية، انتحار لمنطقة الشرق الاوسط وشعوبها واغتيال لخصوصية هذه المنطقة من المحيط الى الخليج، اغتيال قد يؤدي الى نهاية مفهومنا للهوية العربية واغتيال للقضية الفلسطينية. ان مَذْهَبَة حرب العراق اكبر هدية تقدّم لاسرائيل ولأرييل شارون بالذات، فضلا عن الاطماع الاستعمارية.
لذلك، نقول بكل صراحة ان كل من سيحاول تحويل الحرب ضد نظام صدام حسين الذي يصعب جدا على اي عاقل وعلى اي مؤمن بالحرية وبحقوق الانسان وبالديموقراطية ان يدافع عنه او عن اي نظام استبدادي آخر، كل من يحاول تحويل هذه الحرب الى حرب بين الغرب والشرق او بين الاسلام والمسيحية هو اما جاهل احمق او عميل لاسرائيل اياً كان هذا الشخص وبالاخص اذا بدأ بالتحريض لتحريك الشارع العربي والاسلامي كما دعا اسامة بن لادن. ان التطرف لا يخدم الا اسرائيل، والتعصب لا يخدم الا اسرائيل.
وهذا ما رأيناه في فلسطين حيث ان استمرار اعمال العنف وبالاخص اعمال جماعة الرفض الفلسطيني خدمت شارون وأضرّت بعرفات وبالدولة الفلسطينية. وليس صحيحاً القول ان استمرار الانتفاضة خدم القضية الفلسطينية وساهم في اسقاط سياسة شارون التي تعتمد البطش، اذ يقول البعض ان هذا البطش فشل في وضع حد للعنف وللانتفاضة.
فمن قال ان شارون كان يريد وقف العنف ووقف الانتفاضة؟ فلو توقفا اول ايام تسلمه الحكم لما تمكن من محاصرة عرفات ولما تمكن من تدمير كل البنى التحتية للدولة الفلسطينية ولما تمكن من ضرب كل ما كان قد بناه الفلسطينيون لاقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولما تمكن من فتح الباب لعرض اقامة الدولة الفلسطينية خارج فلسطين وفي الاردن بالذات.
نعم، شارون استفاد من استمرار الانتفاضة ليستمر في البطش، ليستمر في تنفيذ خطته الهادفة الى الغاء كل مقومات اي دولة فلسطينية في فلسطين. استمرار العنف اعطى شارون المبرر الكافي ليستمر في استعمال القوة، استمرار العنف خدم شارون تماماً كما ان تحويل الحرب ضد نظام صدام حسين الى حرب صليبية مذهبية طائفية سيخدم شارون ودولة اسرائيل أولاً وأخيراً! فحذار الوقوع في الفخ، فخ مجانين التطرف والتخلف. المشكلة لم تكن مرة طائفية بل كانت دائماً سياسية بدءاً بازمة الثقة مع الولايات المتحدة بسبب انحيازها الكلي الى اسرائيل.
انطلاقاً من هذه الحقائق نعود لنقول ان حوار الحضارات ممكن ان يعود لينطلق ايجابياً بما فيه الحوار بين الاديان والحوار بين الغرب والشرق حتى بعد نشوب الحرب على صدام، في حال نشوبها. بل قد تنطلق عجلة الحوار في شكل اسرع وأفعل ساعة تنطلق عجلة حوار السلام من اجل ايجاد حل لقضية الشرق الاوسط وخصوصاً اذا كان هذا الشرق الاوسط قد اصبح اكثر ديموقراطية وأكثر حرية بعيداً عن التشنج او التطرف او التخلف، بن لادنياً كان أم منتسباً لأي تيّار او نظام توتاليتاري يقمع شعبه ويغتال الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان.