نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لنجعلها سنة وعي! - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 12 ديسمبر 2025 02:35 صباحاً
2002-01-03
ليلة رأس السنة 1999-2000 عمّ العالم جو من الخوف والتساؤلات مع دخولنا الالفية الثالثة.
ظن الجميع اننا ندخل في مرحلة جديدة جذرية من تاريخ الكون وأنّ علامة استفهام كبرى سترتسم على أبواب الألفية الثالثة… منهم من قال انها ستكون نهاية العالم ومنهم من قال انها ستكون بداية عالم جديد.
ولكننا دخلنا الألفية الثالثة ولم يتغير شيء، فارتاحت الناس واعتبرت ان الالفية الثالثة ستكون استمراراً للألفية الثانية وأن لا شيء اساسي سيتغير او يغيّر العالم. وهكذا كان حتى نهاية ال2001، حتى 11 ايلول وما حصل من هجوم ارهابي أدخل العالم في مرحلة جديدة بات معها الزمن تحوليا حقا، وصار هناك ما قبل 11 ايلول وما بعد 11 ايلول.
عدد 2002-01-03.
وعلى هذا الاساس وليس من باب السخرية، ولا من باب المجاملة، يمكننا القول ان رجل العام 2001 هو أسامة بن لادن، الذي سرّع الاحداث واطلق عجلة تغيير النظام العالمي الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، هذا التغيير الذي تأجل وجُمّد اكثر من عشر سنين. ولا مبالغة في القول ان سنة 2002 ستكون السنة التحولية في تاريخ العالم مع بداية الالفية الثالثة.
نهاية الـ2001 شهدت انطلاقة مسار بينما سنة 2002 سترسم معالم النظام العالمي الجديد وستكرس الفرز الجيوسياسي الجديد وتضع أطراً لهذا النظام سواء على المستوى الاقتصادي او الامني او العسكري او السياسي.
وهذا التغيير الذي بدأت ملامحه ترتسم مع سقوط نظام طالبان في افغانستان لن ينتظر طويلا قبل ان يعم العالم وتنطلق عجلته.
ومما لا شك فيه ان هذا الانقلاب العالمي سيشمل منطقة الشرق الاوسط ليحاول وضع حد نهائي لأزمة اصبح عمرها اكثر من نصف قرن.
المطلوب اليوم مواقف عربية مسؤولة وواعية وعلى مستوى المرحلة، والانصراف عن تصفية الحسابات الداخلية بين العرب. وما حصل في فلسطين من مواقف شجاعة اتخذها “الجهاد الاسلامي” و”حماس” لجهة وقف العمليات الاستشهادية يدل على وعي حقيقي لدى الشعب الفلسطيني والمسؤولين فيه الذين أدركوا ان المصلحة الفلسطينية الوطنية العليا أهم من أي اعتبار وان قوة أي دولة فلسطينية ستقام تكمن في المشروع الوطني الفلسطيني لا في مشروع فئوي طائفي.
من هنا كان هذا الدعم للسلطة الشرعية الفلسطينية بقيادة عرفات، تحاشياً للوقوع في الفخ الاسرائيلي ولعدم اعطاء شارون أي ذريعة لمواصلة اجرامه ضد الشعب الفلسطيني وضد الحل السلمي، مع العلم ان اسرائيل ستحاول نسف هذا الاجماع الفلسطيني وبشتى الطرق.
ولكن، وفي مقابل هذا الموقف الفلسطيني المسؤول، شهدنا مواقف غير مسؤولة وخصوصا في سوريا ولبنان حيث عشنا في الاسابيع الاخيرة مرحلة مزايدات فلسطينية وكأننا اصبحنا نحن في لبنان وفي سوريا أصحاب القضية وأصبح اصحابها دخلاء! مهرجانات رنانة تحرّض وتصعّد ولم يتعلم خطباؤها شيئاً من عِبَر الماضي. الواجهة فلسطين والمضمون سوريا.
وأما لبنان فلا وجود له هنا الا كأداة استعمال في خدمة السياسة السورية. قلناها ونعود لنقولها: إن المطلوب اليوم وقفة وطنية مسؤولة من الشعب والدولة والمعارضة وطي صفحة الماضي وعدم الانجرار وراء سياسات مزايدة لا تخدم الا مصالح الغير، بينما الغير ضالع في بازارات تفاوضية لحسابه مستعملاً لبنان سلعة تفاوض بمن حضر!!! على سبيل المثال لا الحصر: نرى ان الكلام الايراني - الاميركي قطع شوطا بعيدا، كما نسمع عن عروض اسرائيلية لسوريا مقابل ضبط “حزب الله” على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية ولا نسمع عن أي بازار او خط تفاوضي مع المعني الاول لبنان.
الكل يفاوضون لحسابهم وعلى حساب الوطن بسبب غياب التنسيق اللبناني - اللبناني وانعدام الرؤيا الوطنية الشمولية والتنسيق اللبناني - السوري القائم على المصالح المشتركة لا المصلحة الواحدة. ونرى في الوقت نفسه، ان هناك نوعاً من التحرك الاسرائيلي الجديد للضغط على اميركا والدول العربية بغية فرض نمط تفاوضي جديد.
فعلينا ان نراقب بدقة ما حصل على الحدود الاردنية - الاسرائيلية وما شكلته هذه الحوادث من ضغط على النظام الاردني. وتقول المعلومات ان اسرائيل ستحاول ان تضغط على الدول العربية التي لم تتخذ موقفا واضحا من الارهاب ومن الانتفاضة ومن “حزب الله” عبر نقل الجبهات من الداخل الفلسطيني ومن الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت الى الحدود الاسرائيلية العربية وداخل العالم العربي، وان شارون قد يعمل على تحويل ما حصل في الداخل الفلسطيني الى مواجهة شاملة مع العرب، مستفيدا من مرحلة ما بعد 11 ايلول ومن الحرب على الارهاب.
وبمعنى آخر قد يحاول شارون نسف ما يسمى الجبهات المضبوطة كجبهة “حزب الله” في الجنوب التي تضبطها سوريا او تحركها كما تشاء وحسب توقيت دمشق - مع العلم ان “حزب الله” توقف اليوم عن القيام بأي عملية - اذاً سيحاول شارون نسف هذه الآلية من خلال ايجاد جبهات مصطنعة للضغط على سوريا، مثلا، كما حصل مع الاردن.
وقد تفتعل اسرائيل عملية ل”المقاومة” على جبهة الجولان لاحراج سوريا وتوسيع نطاق المواجهة ونقلها من الجبهة اللبنانية التي تحركها سوريا دون ان تكون في الواجهة، الى الجبهة السورية - الاسرائيلية التي بقيت جامدة وآمنة منذ العام 1973.
بهذه الطريقة سيحاول شارون الضغط على سوريا في حال رفضت ان تضغط على “حزب الله” في لبنان وان تدخل في مفاوضات سلمية مع اسرائيل. وما قد يحصل مع سوريا قد يحصل مع مصر وداخل العراق، مع العلم ان العراق، وحسب معلومات دقيقة، سيوافق على عودة المراقبين الدوليين وربما برئاسة المراقب الاميركي لتحييد نفسه ولئلا يكون الهدف الثاني بعد افغانستان، وخصوصا ان أميركا لن تتوقف في حال اتخذت اي قرار بالضرب، عند مواقف العالم العربي او المجموعة الاوروبية.
الجميع ينتظرون اليوم المرحلة الثانية وربما الاهم بعد افغانستان. التكهنات كثيرة ولكن لا أحد يمكن ان يعرف اين ستخطو اميركا خطوتها الثانية في حربها على الارهاب.
والمؤكد انها لن تتراجع وستستمر حتى تنفيذ اهدافها. نعم، سنة 2002 هي السنة المفصلية في النظام العالمي الجديد، السنة التي ستضع أسس الخريطة الدولية الجديدة، سنة يالطا وسايكس - بيكو الجديدين، وهي التي ستبني شبكة تربط العالم بعضه ببعض أمنياً ومخابراتياً واقتصادياً، وستُسقِط الحدود على هذا المستوى لترسم حدوداً جديدة مبنية على قياس السياسة الدولية الجديدة.
سنة 2002 ستشهد سقوط انظمة وقيام أنظمة، ستشهد تحالفات جديدة واتفاقات جديدة، ولا مكان ولا دور ولا كلام إلا للذين اتخذوا القرار بأن يكونوا لاعبين اساسيين حول الطاولة، لا سلعة يتقاسمها اللاعبون.
سنة 2002 ستشهد عمليات حصر وعزل للدول التي لن تدخل نادي التحالف الجديد، حصر وعزل حتى سقوط او اسقاط هذه الدول وهذه الانظمة من الداخل. سنة 2002 ستكون سنة المفاجآت، وسنة تحمّل المسؤولية الذاتية، فلكل دولة ولكل نظام دور في ورشة بناء هذا النظام العالمي الجديد، اذا أرادت هذه الدولة او هذه الانظمة ان تكون شريكا.
القطار اصبح على السكة والعربات تمر من أمامنا، فإمّا ان نصعد ونجلس ويكون لنا مكان ودور ثم نناقش المكان والدور، واما نبقى كالعادة خارج اللعبة وخارج القطار نضيّع الفرصة وربما نضيّع ذاتنا اذا مرّ القطار على أجسادنا! من هنا نعود لنقول لزعماء العالم العربي ان المطلوب وعي تام وتنسيق تام والابتعاد عن السياسات الضيقة والبحث جديا في استراتيجيا عربية موحدة. لذلك حرام ان ننسف مثلا اجتماع القمة العربية في لبنان، وهنا نتمنى على سوريا ان لا تضغط على لبنان وان لا تحرك أبواقها فيه بغية نسف القمة لا لشيء الا لأنها تعتبر انها لا تخدم أغراضها.
ان القمة ضرورية، والمطلوب وقفة عربية واحدة تتخطى المصلحة الضيقة. ان لبنان سيستفيد من القمة، فهي اعتراف بدوره ووجوده، وهذا حق للبنان بعد كل ما أصابه. فهل حق لبنان مرفوض سوريّاً وعربيّاً؟ نعم، لبنان سيستفيد من القمة وسوريا تستفيد والعالم العربي ايضاً، لان المطلوب تحرك وسياسة عربية واحدة منسقة لا سياسات عربية رد فعلية او ثنائيات لئلا نقول أحاديات مبنية على الانانية السياسية.
ان خراب العرب كان دائماً متأتياً من غياب المواقف الموحدة الواقعية البناءة، ومن اضاعة الفرص بدءاً بتقسيم فلسطين عام 1948 وصولاً الى عدم اعلان الدولة الفلسطينية عام 2001 بعد الاقرار الاميركي والبريطاني بقيام هذه الدولة. نعم، القمة العربية في لبنان ضرورية، يا سوريا، ويا كل الدول العربية، وإذا طارت لن يكون ذلك انتصاراً لسوريا ولا لدولة عربية اخرى، بل الانتصار سيكون كالعادة لاسرائيل، والهزيمة، كالعادة، عربية شاملة!