نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حذار التسرّع - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 12 ديسمبر 2025 03:15 صباحاً
2002-02-14
سؤال واحد سمعناه في نيويورك وواشنطن: ماذا حول وضع لبنان الاقتصادي؟ هل انتم على طريق الارجنتين؟ وماذا تفعلون لمواجهة هذه الكارثة؟…
سؤال بل اسئلة عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي، مما يعني ان الاهتمام الاول للمسؤولين الاميركيين ولبعض الزعماء والخبراء العرب هو هذا الوضع بالذات وهل يمكن ان يؤثر اي اهتزاز للاقتصاد اللبناني على الوضع السياسي المحلي والاقليمي؟ وعندما تدخل مع السائلين في حوار حول الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية يجيبونك بدقة وعلمية وحذر، معتبرين ان اي حل يجب ان يأتي نتيجة دراسات معمقة ويأخذ في الاعتبار كل مكونات الازمة بما فيها الحالة السياسية الراهنة. وضمن اطار خطة مدروسة ومتكاملة.
الصفحة الأولى من عدد 2002-02-14
لا مكان في عملية البحث عن حلول لأي مشروع مجتزأ أو انفعالي أو متهافت أو سطحي. ولكن، ولسوء الحظ، نرى ان واقع الحال في لبنان مختلف تماما، فالمواطن ينام على قرار الغاء الرسوم الجمركية ويفيق على قرار زيادتها، ينام بلا ضريبة على القيمة المضافة ويفيق مع قيمة مضافة، ينام على سعر للبنزين ويفيق على سعر جديد مضاف الى القيمة المضافة، ينام ويفيق ولا يفهم لماذا تضاف او لماذا تلغى هذه الضريبة او تلك وبناء على ماذا وبعد استشارة اي خبراء.
واليوم نعيش هذه الحال مع المشروع المطروح حول الغاء الوكالات “الحصرية” الذي ولد بين ليلة وضحاها وتحول من قضية اقتصادية اجتماعية قد تساهم او لا تساهم في تفريج الاختناق، الى قضية سياسية ارتدت طابع التحدي.
لا نريد ان ندخل في تفاصيل مشروع الغاء او عدم الغاء الوكالات التجارية الحصرية، فموضوع كهذا يستوجب خبراء ودراسات وافية ومشاورات ولقاءات واجتماعات مع المعنيين في كل القطاعات التجارية والاقتصادية والعمالية والاجتماعية، وليت الحكومة قامت بهذه الخطوة قبل اتخاذ القرار وطرحه كأمر لا مفر منه.
نعم، كان يجب ان تحصل استشارات قبل اعلان المشروع والاصرار عليه فنتفادى التسرع وردود الفعل والذعر وهذا الانطباع القوي بالوقوع تحت تأثير الاعتباط.
نعود لنقول ان هذا المشروع قد يكون مفيدا للاقتصاد وللشعب أو لا. فنحن نعرف ان بعض التجار يستفيدون من الحصرية للتلاعب بالاسعار وفرضها والاثراء على ظهر الشعب، ولكن ليس كل صاحب وكالة حصرية محتكراً او جشعاً.
ومسؤولية المسؤولين ان يعالجوا اوضاعا جزئية كهذه بطرق علمية قبل اتخاذ القرار بقلب الطاولة دون ان يُعرف اذا كان قلب الطاولة يجعلها تنقلب على رأس الشعب قبل ان تنقلب على هذا التاجر الجشع او ذاك.
في الازمات المعيشية، على الدولة ان تتخذ تدابير سياسية واقتصادية تريح الشعب وبالاخص الطبقة الفقيرة، واذا بنا اليوم نرى الدولة والحكومة بالذات في حالة طلاق مع شعبها بسبب الأداء السياسي المتبع منذ اكثر من عشر سنين، بل نرى ان ثمة ازمة سياسية حقيقية على مستوى العلاقة بين الشعب والسلطتين التنفيذية والتشريعية، وحتى القضائية وازمة بين السلطات.
ان ما يحصل اليوم من تدابير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي يذكرنا بما كان يحصل في الدول الشيوعية: تدابير لا يفيد منها الفقير وفي الوقت نفسه تفقّر الغني! قد يكون ما يجري هو بمثابة الهروب الى الامام كي ينسى الشعب بلبلة القيمة المضافة وبلبلة الوضع السياسي وينشغل ببلبلة الوكالات التجارية.
قبل ان ننسف ما هو قائم، علينا ان نصحح الاوضاع ونضبطها ونضع حدا للفوضى والفساد والتهريب ونطبق قوانين قد تمهد الطريق وتسمح بأن نتخذ اجراءات اقتصادية جديدة كقانون حماية المستهلك وقانون تعزيز المنافسة وقانون مكافحة الاحتكار، بالاضافة الى ضبط الحدود لمنع التهريب المشرّع بغطاء سياسي من هنا وهناك.
فمن الافضل تأجيل اتخاذ اي قرار متسرع بالغاء الوكالات الحصرية وتأليف لجنة تُكلف القيام بدراسة معمقة حول هذا الموضوع تأخذ في الاعتبار ما هو مفيد تحريره وما هو مفيد ابقاؤه محصورا بالوكالات التجارية.
لجنة تدرس الاصناف وتفصل بينها لنفهم تماما حجم الاصناف التي تشملها الوكالات التجارية، واذا كان سبب الغلاء مرتبطاً بالحصرية او هو نتيجة فوضى وانعدام اجهزة المراقبة، مما يعني انه حتى لو الغيت الوكالات تبقى الاسعار غير مضبوطة وغير مبررة، وهنا تكمن الكارثة. وسيكون على لجنة كهذه ان تدرس وضع السوق اللبنانية مقارنة بالاسواق العربية والخليجية بالاخص وكيفية حماية سوقنا في حال الغاء الوكالات التجارية، من اقتحام الوكلاء العرب والخليجيين - مثلا - للاسواق اللبنانية مما قد يفرض وكلاء تجاريين غير لبنانيين جدد بقوة الامر الواقع الاقتصادي والمالي، فتنتقل السوق اللبنانية من حصرية لبنانية الى حصرية اجنبية! كما انه قد يكون مطلوبا من هذه اللجنة ان تتعمق في درس كيفية حماية القطاع العمالي اللبناني وما قد يطرأ نتيجة قرار كهذا ويؤثر ايضا على المستوى التجاري في لبنان وعلى حركة العمران. دون ان ننسى القطاع الاعلاني الذي سينعكس تأثره سلبا على القطاع الاعلامي اللبناني دون سواه. … فضلا عن الابواب التي سيفتحها التدبير الجديد امام السلع والبضائع المهربة او تلك المزورة او الفاسدة.
كما نتمنى ان يسبق أي قرار يصب في خانة زيادة حجم الاستيراد لمشاريع لدعم الصناعات المحلية من خلال قروض محدودة تعطى للمواطنين بهدف استثمارها في مشاريع صناعية او حرفية تقام في المناطق اللبنانية دعماً لانتمائها ودعماً للصناعة اللبنانية. نطرح هذه الافكار والتساؤلات كما هي دونما ادعاء، ولكن باصرار على ان الامر يستوجب جدية اكبر وتروياً اكثر وبمشاركة كل الخبراء والمعنيين ليكون اي قرار متخذ قرارا مشتركا يتحمل الجميع مسؤولياته ويأتي ضمن خطة اقتصادية متكاملة مترابطة يدعمها وضع سياسي سليم غير متأزم ولا خاضع للضغوط داخلية كانت ام خارجية. اما للذين يقولون ان المشروع سيقر غدا في مجلس الوزراء لأن كرامة البعض على المحك، واذا كان من تعديل فلتعدله اللجان النيابية، فالجواب البسيط هو ان الامر لا علاقة له بكرامة هذا السياسي او ذاك او هذا الرئيس او ذاك، القضية متصلة بكرامة المواطنين واحترام آلية التعاطي معهم.
القضية حيوية لا على مستوى الطبقة السياسية او الرئاسية، بل على مستوى الشعب ولقمة عيشه ووضعه الاجتماعي والاقتصادي. ثم، بكل صراحة، لا ثقة للشعب اللبناني بمجلس النواب وعمل اللجان وطريقة التصويت التي تعتمد الايدي المرفوعة والاوامر الهاتفية، ولسوء الحظ فان تاريخ مجلس النواب على هذا الصعيد غني جدا ولا لزوم للتذكير.
لذلك نقول للمعنيين اننا في امسّ الحاجة الى تنظيم الوضع التجاري والى ضبط الاسعار وتأمين الخدمات بأحسن الشروط بدءا بالدواء. في امسّ الحاجة الى تأمين لقمة العيش للمواطن وتخليصه من معاناة قاربت الافلاس والانهيار، ومصارحته وجعله شريكا لا ضحية.
لبنان على شفير الهاوية، لبنان في حالة افلاس مع كل ما تعني هذه الكلمة… نقول هذا من باب مصارحة الشعب لا للتخويف. فالمصارحة هي الحل الوحيد، وهي تعني مشاركة الجميع في ايجاد الحل بدءا بمشاركة اصحاب الشأن والخبرة والاختصاص. أما العكس، يعني الكذب والتكاذب والهروب الى الأمام، فهي تؤدي الى تكريس الافلاس وخراب الوطن. ان تحويل كل قضية اقتصادية الى نزاع سياسي هو خداع في الوقت الحاضر.
فلنؤلف لجنة وزارية تعمل مع الخبراء والمعنيين بعيدا عن اجواء الاستفزاز لاتخاذ القرار العاقل والمناسب في الوقت المناسب! على امل ان يكون في هذه الدولة عقلاء يسمعون وان لا تصبح هذه القضية الاقتصادية الاجتماعية قضية سياسية ينتهزها كالعادة صيادو الفرص. فالوطن كله مهدد بأن يسقط. الا تعرفون؟ ام انتم تعرفون وتدرون وتريدون؟