نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عشرة أيام مصيرية - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 12 ديسمبر 2025 03:15 صباحاً
2002-03-14
من واجب الصحافي اليوم، وكذلك من واجب المواطن والانسان قبله، ان يناشد جميع الذين يتعاطون الشأن العام في العالم العربي التحلي أكثر ما يكون بروح الوعي والمسؤولية لمواجهة تحديات هذه المرحلة المصيرية.
ويا للأسف في لبنان لا الوعي ولا المسؤولية موجودان عند معظم اصحاب الشأن العام أكانوا موالين ام معارضين.
الصفحة الأولى من عدد 2002-03-14.
فاضافة الى الافلاس الاقتصادي الذي فتك بنا، فتك الافلاس السياسي بالطبقة السياسية اللبنانية وبالحكومة، التي باتت تتحمّل وحدها مسؤولية الوضع المتدهور سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لقد فقدت كل مصداقية ودخلت مرحلة تصفية الاعمال، هذه الحكومة التي يعمّها الانقسام والتفتت والتخبط والتراشق باتت في حكم المنهارة - وهي اصلا منهارة بسبب افتقارها الى دعم الشعب وثقته - اما بقاؤها فهو بفعل تغطية الباب العالي لها. … ولن ندخل هنا في حلقة السجال الفارغة نتيجة الكلام الفارغ الذي قاله رئيس الحكومة حول المسيحيين الذين اعتادوا في لبنان ومنذ اوائل التسعينات ان يكونوا “مكسر عصا” للجميع، ربما بهدف كسر لا المسيحيين وحدهم، بل اللبنانيين كل اللبنانيين… هذا الكلام الذي جاء بعد الزيارة التاريخية للرئيس بشار الاسد للبنان، وكاد يحوّل الانظار عن الزيارة مؤثّراً حتى على نتائجها الايجابية.
عيب وألف عيب ان يبقى اهل السياسة يحاولون “مذهبة” الامور لتغطية فشلهم السياسي.
وهنا اعني كل اهل السياسة موالين ومعارضين، بالاضافة الى الذين في المعارضة، ولا سيما المعارضة المغتربة، يغطون افلاسهم وحقدهم وانانيتهم بممارستهم الغوغائية الرخيصة، ومعارضة رد الفعل القائم على رفض كل شيء لا يكونون فيه الشركاء الاوائل كي لا نقول الشركاء الوحيدين. قد تكون عقدة العصر لدى السياسيين اللبنانيين هي الانانية، ولكنها وصلت لدى البعض منهم الى حد المرض المستفحل العضال والمضحك المبكي.
على كل حال، ما يحصل في المنطقة يتطلب الكثير الكثير من الوعي والمسؤولية كما قلنا، وخصوصا عدم التفرد باتخاذ القرارات والمواقف التي قد تورط لا اصحابها وحدهم، بل الوطن والمنطقة كلها. وهنا لا بد من ان نتوقف عند كلام امين عام “حزب الله” خلال الاسبوع الماضي الذي اكد تورط الحزب في دعمه المباشر الميداني للانتفاضة الفلسطينية من خلال ارسال صواريخ الكاتيوشا عبر الاردن، بعد قضية باخرة الاسلحة.
وهذا الموقف يحشر لبنان الرسمي اليوم ويكاد يكون بمثابة تكذيب لموقف الدولة وعلى رأسها الرئيس لحود الذي اكد اكثر من مرة للمجتمع الدولي ان لا دور اقليميا ل”حزب الله”، مما يعني ان ما قاله امين عام الحزب ضرب مصداقية لبنان ورئيس الجمهورية بالذات حيال المجتمع الدولي.
وهذا الموقف، بالاضافة الى حالة وضع اليد عسكرياً وسياسياً التي يمارسها “حزب الله” في جنوب لبنان حيث يفعل ما يشاء كما يشاء وعندما يشاء، هذا الموقف يكاد ان يورط لبنان ويجعلنا نصبح من جديد هدفا مباشرا ليس من اجل قضية لبنانية بل قضية تعني كل العالم العربي وكل المجتمع الدولي.
وهنا كنا تمنينا لو ان الحكومة ورئيسها والدولة، كل الدولة، وبدلاً من ان تتراشق وترشق فئة من اللبنانيين، كنا تمنينا لو انها تمسك بزمام الامور وتضع حدا لتمادي “حزب الله” اقليميا انطلاقا من لبنان، لأن لبنان والشعب اللبناني لا يجوز ان يقرر مصيرهما “حزب الله” او اي حزب آخر بمفرده وبناءً على مصالح خاصة وقد تكون في غالبيتها اقليمية. كفانا دفع فواتير عن الغير وعلى حسابنا! وانطلاقا من موقف “حزب الله” الاقليمي والمختلف والمخالف للموقف العربي، بحيث ان الحزب لا يعترف بقرارات الامم المتحدة 242 و338 ولا يعترف باسرائيل تماما كالموقف الايراني، نكاد نسأل من يحاول جرّ من الى الصدام والى توسيع رقعة المواجهة؟ هل يحاول “حزب الله” جرّ اسرائيل الى مواجهة اوسع ام تحاول اسرائيل شارون جرّ الحزب لتورط المنطقة ربما في مذبحة شاملة وجماعية كالمذبحة التي يقوم بها شارون ضد الشعب الفلسطيني؟ ام ان جماعتَي “حماس” و”الجهاد” تحاولان فتح جبهات جديدة لتخفيف الضغط عن الداخل الفلسطيني والزام المجتمع العربي بأسره عسكريا، مما يفسر العملية الاخيرة التي جرت في شمال اسرائيل يوم الثلثاء الماضي؟ ام ان ايران تريد ان تحرك جبهة الجنوب بعدما وضعتها الولايات المتحدة على لائحة الدول المستهدفة وخصوصا انها لا تعترف اصلا باسرائيل وهي مع زوالها وفي امكانها ان تحرك بعض فصائل “حزب الله”؟ قد يقول البعض ان الحزب يريد تحريك الجبهة الجنوبية ليعود ويدخل المعادلة وينتقل من وضع المُستَهدَف الى وضع الطرف والشريك كما كان بعد عملية “عناقيد الغضب”.
وثمة من يقول ان فلسطينيي الرفض في لبنان وبالتنسيق مع فلسطينيي الرفض في فلسطين قد يحرّكون الجبهة لتوسيع نطاق المواجهة وتعريب الازمة وتدويلها كي تخرج من اطارها الفلسطيني الاسرائيلي وتصبح صراعاً عربياً - اسرائيلياً. وثمة من يقول ان مصلحة العراق ايضا ان تتوسع المواجهة كي يدخل في المعركة الى جانب الفلسطينيين والعرب ويكسب تعاطفا لا سياسيا فحسب، بل ميدانيا ايضا.
اما اسرائيل فقد تكون في رأينا اول المستفيدين من توسيع رقعة القتال وقد تفيد من اي مبرر يعطيها اياه فلسطينيو الرفض او “حزب الله” او ايران او حتى العراق، هذا اذا لم تفتعل هي عملية عنهم، لتبرر الضربة.
فاسرائيل، ومن خلال توسيع رقعة القتال والصراع، قد تعمد الى اعادة توزيع الاوراق الشرق الاوسطية عبر استهداف دول عدة ومحاولة ضرب استقرار انظمة عدة. ان الامن الاسرائيلي، حسب المصطلح الشاروني، يعني أولاً وأخيراً اضعاف المقومات العربية العسكرية والاقتصادية والسياسية وتقويض مقومات اي دولة فلسطينية، اضافة الى ضرب المقومات العسكرية الفلسطينية ومحاولة تنفيذ سياسة التهجير العربي من داخل اسرائيل ومن داخل الاراضي الفلسطينية نحو العالم العربي والاردن خصوصاً، اذ يعتبر شارون ان الوطن الفلسطيني الطبيعي يجب ان يكون في الاردن. لذلك يمكن ان نقول ان الملك عبدالله، وفي اثناء لقائه الرئيس الاسد، قد بحث خصوصا في هذا الموضوع وفي قضية صواريخ الكاتيوشا التي اعلن “حزب الله” تورطه فيها، لأنه من الخطير اعطاء شارون اي مبرر لينفذ مخططاته.
دون ان ننسى ان شارون يحاول لعب كل اوراقه واستغلال الحرب الاميركية على الارهاب ليخبئ مذابحه تحت لافتة هذه الحرب، كما يحاول استغلال الحرب الاميركية في افغانستان لتوسيع رقعة الصراع فيطاول “حزب الله” وايران والعراق، وربما سوريا ولبنان، مع العلم ان لبنان وسوريا لا مصلحة لهما من قريب ولا من بعيد في أن تتوسع رقعة المواجهات، بل يهدفان للتوصل وفي اسرع وقت الى حل عادل وسلمي للمشكلة. بمعنى آخر سيسعى شارون هو ايضا الى تدويل حربه على الفلسطينيين محاولا قطع الطريق امام القرار التاريخي لمجلس الامن الذي تكلم للمرة الاولى عن قيام دولة فلسطينية. وفي هذا السياق يمكننا ان نقول ان هذا القرار التاريخي الذي حصل بتأييد بل مشاركة فعالة اميركية هو الاشارة الثانية او الفرصة الثانية المعطاة لياسر عرفات كي يعلن الدولة الفلسطينية.
وقد يكون من الافضل ان يعلن ابو عمار اليوم قبل غد الدولة الفلسطينية من ملجأه في رام الله ما دامت هذه الدولة قد نالت سلفا التأييد الدولي عبر قرار مجلس الامن. يقول بعضهم ان الاعلان قد ينتظر القمة العربية حيث يفضل عرفات اعلان قيام دولة فلسطين من العاصمة اللبنانية وخلال اجتماعات القمة.
معلومات غربية تقول ان القرار الاخير لمجلس الامن كانت وراءه الولايات المتحدة، تماما مثل الغطاء الذي اعطته للاجتياح الاسرائيلي لمناطق الحكم الذاتي وانها ستحاول طي هذا الملف قبل انعقاد قمة بيروت. اي ان واشنطن تريد ان تعطي شارون فرصة لضرب “حماس” و”الجهاد” مقابل اعطاء عرفات دولة، فتكون الدولة الفلسطينية الجديدة “مسالمة” وخالية من اي مقومات للرفض الفلسطيني او العمل الفلسطيني المسلح، وهذا قبل انعقاد القمة العربية. وهكذا تكون واشنطن في وارد محاولة انهاء العملية الشارونية، وتثبيت وقف لاطلاق النار وفتح مفاوضات ثنائية قبل القمة في اطار القرار الجديد لمجلس الامن الدولي الذي يعتمد آلية تنطلق من مبادرة ولي العهد السعودي الامير عبدالله، كي تكون مقررات القمة ايجابية ومتوجة ومؤيدة لهذه الخطة.
الاحداث التي نعيشها لم تمر فيها منطقتنا من قبل. انها احداث متسارعة جدا ومختلفة عن “الاداء الشرقي” البطيء الذي اعتدناه خلال نصف القرن الاخير من المواجهة مع اسرائيل. انه اداء يذكّرنا بما حصل في يوغوسلافيا السابقة، في كوسوفو حيث تسارعت الاحداث والانهيار ليقوم امر واقع جديد. لقد بدأ العد العكسي وحدوده اجتماع القمة العربية في بيروت حيث ملامح الحل او تأزيم الازمة سترتسم خلال الايام العشرة المقبلة… … على امل ان ترتسم ملامح الوعي والمسؤولية لدى الطبقة السياسية اللبنانية ولا سيما لدى الحكومة وكل المسؤولين، لنتمكن معا من “اجتياز قطوع” استحقاق القمة دون ان ندفع كالعادة فواتير الآخرين على حساب ارضنا وشعبنا.