نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشعبي رحلة علمية وإنسانية لا تنتهي في جنوب الوطن - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 12 ديسمبر 2025 10:40 صباحاً
في فضاء العلم والعطاء، يسطع اسم الدكتور علي بن عيسى الشعبي رحمه الله كنجمٍ مضيء في سماء جازان وعسير، نموذجًا يجمع بين الفكر الراسخ والخلق الرفيع، بين القيادة الأكاديمية والخدمة الإنسانية. رحلته، الممتدة لأكثر من أربعة عقود، لم تكن مجرد أيام تمرّ في التاريخ، بل كانت صفحات مضيئة من الاجتهاد والمعرفة، من النبل والعطاء، حيث صاغت شخصيته القيادية والفكرية وألهمت أجيالاً من الطلاب والمجتمع على حد سواء. الحديث عن الدكتور الشعبي ليس استعراضًا لسيرة حياة، بل هو تأمل في مسيرة وطنية تنبض بالعلم والإنسانية، لتبقى قدوة للأجيال القادمة.
.
النشأة والهوية التعليمية:
يشكّل الدكتور علي بن عيسى الشعبي واحدًا من أبرز الوجوه الأكاديمية والاجتماعية في منطقة جازان وعسير، ورمزًا من رموز العطاء الذين جمعوا بين المعرفة العميقة والأخلاق الرفيعة والعمل الإنساني المؤثر. وُلد في محافظة الدرب عام 1377هـ، لتبدأ من هذه المدينة الصغيرة رحلة امتدت عقودًا من الاجتهاد، صاغت خلالها شخصيته القيادية والفكرية، وجعلت منه أحد أهم الأسماء التي أثرت في التعليم والعمل الاجتماعي جنوب المملكة.
منذ بداياته الدراسية، برزت فيه ملامح المثقف المحب للعلم، فواصل دراسته بجدٍّ حتى حصل على بكالوريوس اللغة الإنجليزية من فرع جامعة الملك سعود بأبها. وكانت هذه البداية شعلةً أضاءت له طريق العلم، وأثارت في نفسه شغفًا بالمعرفة لا يعرف الكلل.
ثم واصل طموحه العالي عابرًا الحدود ليحصل على درجة الماجستير من جامعة كنساس بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث انفتح على أساليب تعليمية متقدمة وثقافات جديدة، واكتسب خبرات أضافت أبعادًا جديدة لرؤيته التربوية. ولم يكتف بذلك، بل تابع مسيرته الأكاديمية لنيل الدكتوراه في التربية والمناهج وطرق التدريس من جامعة كارديف في بريطانيا، ليصبح مؤهلًا لإحداث فرق حقيقي في التعليم الأكاديمي بالمملكة.
.
المسيرة الأكاديمية والإشراف العلمي:
عاد إلى المملكة حاملاً رؤية تربوية حديثة، فانضم إلى الجامعة معيدًا، ثم أستاذًا مساعدًا، فأستاذًا مشاركًا، وأسهم في تطوير برامج تعليم اللغة الإنجليزية، وتحديث أساليب التدريس، والإشراف العلمي على أجيال من الطلاب الذين أصبحوا لاحقًا معلمين وأكاديميين وقادة في مختلف المؤسسات.
وتقلّد الدكتور الشعبي العديد من المناصب الأكاديمية التي ترك فيها بصمة واضحة؛ فقد عمل وكيلًا للقبول والتسجيل، ووكيلاً لشؤون الطلاب، ثم عميدًا لكلية الأمير سلطان للسياحة والفندقة، وعميدًا لكلية ابن رشد للعلوم الإدارية بأبها.
لقد عُرف في كل هذه المناصب بصرامته الإدارية وانفتاحه الفكري، وحرصه على الارتقاء بالبيئة التعليمية، مؤمنًا بأن الطالب هو محور العملية التعليمية، وأن الجودة ليست خيارًا بل ضرورة. كان يراه كمنارة تهدي الطلبة والعاملين نحو التميز والالتزام، ويمدّهم بالقيم التي تجعل من التعليم رسالة تتجاوز نقل المعرفة إلى بناء الإنسان الكامل.
.
العطاء الاجتماعي والإنساني:
لم يقتصر عطاء الدكتور الشعبي على الجانب الأكاديمي، بل كان له حضور اجتماعي وإنساني بارز، جعله قريبًا من الناس ومحبوبًا لدى فئات واسعة من المجتمع. فقد ترأس لجنة التنمية الاجتماعية بالدرب لسنوات طويلة، وأسهم في مشاريع نوعية لخدمة الشباب وتنشيط التنمية، وكان دائمًا حريصًا على تعزيز روح المبادرة والمسؤولية في المجتمع، ليكون له أثر ملموس في حياتهم.
كما ترأس مجلس إدارة جمعية غراس لرعاية الأيتام بجازان، وترك فيها إرثًا من المبادرات التي غيرت حياة الأسر ومنحت الأطفال مستقبلًا أفضل، عبر برامج تعليمية وتنموية شاملة. ولم يتوقف دوره عند ذلك، فقد عمل مشرفًا على فرع جمعية حقوق الإنسان في عسير، وكان من الأصوات المعتدلة التي تجمع بين الحكمة والحنكة في معالجة القضايا، مؤمنًا بأن الإنسان هو القيمة العليا التي يجب الحفاظ عليها وصون حقوقه وكرامته.
.
الشخصية والثقافة العامة:
عُرف الدكتور الشعبي بثقافته الواسعة وهدوء شخصيته، وكان مجلسه يجمع نخبة المثقفين والإعلاميين والأكاديميين. لقد كان محبًا للحوار، رحبًا في تعامله، عميقًا في رؤيته، متسامحًا في طبعه، ومخلصًا في عمله.
وكان يؤمن بأن الخدمة العامة ليست منصبًا، بل “أمانة” تستوجب الإخلاص والبذل دون انتظار مقابل، وهو ما أكسبه احترام الجميع وثقة الطلاب والزملاء، وجعل منه قدوة حقيقية في القيادة الرشيدة والتعامل الأخلاقي. وقد انعكست هذه الشخصية في كل مشروع قاده وكل طالب أشرف عليه، ليترك أثرًا لا يمحى في المجتمع الأكاديمي والإنساني.
.
الإرث والوفاء:
وحين رحل بعد معاناة مع المرض، لم ترحل معه محبّة الناس ولا أثره العميق. فقد كُتبت عنه عشرات المقالات، وتحدث عنه زملاءه وطلابه ومسؤولو المنطقة، ووصفه الكثيرون بأنه “قامة وطنية وإنسانية” و”مدرسة في التربية والأخلاق”، فيما اقترح آخرون إطلاق جائزة أو برنامج سنوي اوتسمية احد الشوارع العامة باسمه تخليدًا لإسهاماته.
ترك الدكتور علي الشعبي إرثًا ممتدًا عبر آلاف الطلاب الذين تأثروا به، والمجتمعات التي خدمها، والجمعيات التي نهض بها، والمبادرات التي أطلقها. لقد جمع بين العلم والعمل، وبين القيادة والتواضع، وبين المهنية والإنسانية، فصار نموذجًا يقتدى به، وقدوة تلهم الأجيال.
إن الحديث عن الدكتور علي بن عيسى الشعبي رحمه الله ليس مجرد استحضار لسيرة شخصية، بل هو استعادة لقصة نجاح سعودي متكامل، ونموذج لمثقفٍ عميق، وأكاديمي متمكن، وإنسان نذر نفسه لخدمة مجتمعه. ويبقى اسمه حاضرًا في ذاكرة المنطقة، وفي سجلّ رجالها الذين ارتبطت سيرتهم بالنبل والأصالة والعطاء.
..علي المشاري محافظة الدرب