حتى آخر نقطة دم في أقلامنا! - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حتى آخر نقطة دم في أقلامنا! - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 12 ديسمبر 2025 04:25 مساءً

روي أبو زيد


"سنبقى نعمل من أجل تكريس الحرية وتثبيت الديموقراطية واسترجاع السيادة والقرار الحر وتحصين الاستقلال وتفعيل دور لبنان في العالم حتى آخر نقطة حبر في قلوبنا وآخر نقطة دم في أقلامنا". 

الصحافي الشهيد جبران تويني

حمل اليراع حينها وكان أوّل المدافعين عن الحرية. أطلق قسمه الشهير في 14 آذار 2005... هو الشهيد جبران تويني، الصحافي الحر وابن غسان تويني الذي صدح صوته في منتصف ثمانينات القرن الفائت بالأمم المتحدة وصرخ: "دعوا شعبي يعيش!"
أبى جبران القيود ورفض الخنوع، فتحدّث بصوت جليّ وكتب بمداد لن يضمحلّ لأنّه ممزوج بدم شهيد حلّق عاليًا وأضحى يلاحق خيوط الشمس الحرّة. فالحريّة بالنسبة له لم تكن يومًا عناوين فضفاضة على صفحات النهار أو شعارات رنّانة، بل هي نهج حياة يُعاش ليس يوميًّا فحسب بل في كلّ ربع من الثانية.

 

 

كتب جبران في افتتاحيته الأخيرة يوم 8 كانون الأول 2005: "ليت الوزير فاروق الشرع "وزير الخارجية السوري" يفهم ويقتنع بأن عهد الوصاية السورية على لبنان قد ولّى، وبأن اللبنانيين يعرفون مصلحتهم ويغارون عليها أكثر مما يغار عليها النظام السوري الذي يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، من أجل معاودة وضع اليد على لبنان وفرض وصايته عليه، بينما هدف اللبنانيين هو تحصين استقلال بلادهم وحماية سيادة وطنهم ووحدته بعد انتفاضة الاستقلال وانسحاب القوات السورية منه".

 

لم يخف يومًا من قول الحقيقة مهما كانت صعبة، دفع حياته ثمن وطنيّته ووضع لبنان فوق حياته وعائلته الصغيرة وأولاده ووالده وجريدته. نعم، قلمه "كان مروّسًا" كما قال الراحل غسان تويني يومًا، فأصبح حربةً في أفئدة فارغة لا تعطي الإنسان قيمةً والوطن استقلالًا.

 

ما زال  جبران صوت الذين لا صوت لهم وصرخة حرّة يتردّد صداها في أقبية القمع والتبعيّة، فمقالاته وافتتاحيّاته رسمت نهج لبنان اللبنانيّ وكانت ذات رؤية ثاقبة ومنهجيّة واضحة، فلو قرأت مقالاته التي صدرت منذ أكثر من عشرين عامًا تشعر بأنّك تعيش أحداثها اليوم بالتحديد. وبذلك يكون جبران قد عبّد من خلالها الطريق نحو جمهوريّة صامدة في وجه جنود العتمة. جمهوريّة مستقلّة إلا عن الوحدة بين أبنائها وفلذات كبدها، جمهوريّة حاول الكثيرون على مرّ التاريخ سلبها هويّتها، لكنّها بقيت صامدة وشامخة كأرزة مغروسة في تراب سقاه دمّ حرّ، جمهوريّة لبنانيّة على كامل أراضيها ذو حدود واضحة ودولة قويّة وجيش أبيّ وشعب يغزل الديمقراطية في دولة القانون والمؤسسات.

اغتيل بتفجير سيارته في المنطقة الصناعية في المكلّس في 12 كانون الأول 2005، فقتل على الفور مع إثنين من مرافقيه هما اندريه مراد ونقولا الفلوطي. وأضحى جبران تويني شهيد "لبنان العظيم" الذي دافع عنه حتى الشهادة.

حفظك الله يا جبران نوراً حيث تكون، وجهاً يشرق بمعرفته القيادية علينا، ورجلاً جباراً في زمن دُفنت فيه العقول واستبدلت بالسواعد والأموال والتبعية!

 

نحن صحافيّو اليوم سنحمل مشعلك ونكمل المسيرة ليصبح رمادك لوحة جبرانيّة تنبض حياة لا تحدّها الأماكن ولا تختصرها الأزمنة. سنكون شعلة حرية تنير، تُحرق ولا تنطفىء أبداً... "فما تبنيه الأقلام لا تقوى عليه الأيّام!"

 

سنعشق بيروت، وستكون معبدنا جميعاً كما وصفتها ناديا تويني بالقول " بيروت آخر معبد في الشرق حيث يمكن للمرء دوماً ارتداء النور".