نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشرق الأوسط في ظل استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة - وضوح نيوز, اليوم الأحد 14 ديسمبر 2025 08:15 صباحاً
أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة في 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025، وطوَت صفحة الاستراتيجية السابقة للعام 2022. تضمنت صفحات الخطة الـ 33 خريطة طريق مختلفة عن السابقة، ولا سيما حول ركائز السياسة الخارجية في أوروبا والشرق الأوسط، والهدف الأساسي لها هو الحفاظ على التفوق العسكري والتكنولوجي والاقتصادي، والإبقاء على وضعية الولايات المتحدة كأعظم دولة في التاريخ (وفق ما ذكرت الخطة حرفياً).
وإذا كانت العلامة الفارقة للاستراتيجية الجديدة برزت في مقاربة العلاقة مع الحلفاء الأوروبيين، لناحية الطلب منهم تحمُّل مسؤولية الشراكة، وفي وصف القارة بأنها في تراجع دائم، فإن ملامح السياسة الأمنية الأميركية الجديدة تجاه الشرق الأوسط لا تقلُّ شأناً، وفيها خيارات مختلفة عن السابق، لناحية توصيف المنطقة، لكونها لم تعُد المصدر الأساسي للطاقة الأحفورية كما كانت، ولم يعُد التنافس عليها حاداً، كما في السابق، وإن كان الثابت في النهج الأميركي الجديد هو بقاء أولوية الحفاظ على أمن إسرائيل في الصدارة، وفقاً لما كان معتمداً على الدوام.
مآسي الشرق الأوسط... خيم غارقة في غزة(أ ف ب)
تحدثت الخطة عن حلفاء عرب يعوَّل على العلاقة معهم، ويمكن الاعتماد عليهم لخدمة التجارة الأميركية، وللمساعدة على وضع حاجز أمني افتراضي بين قوى الشرق الصاعدة، التي تحارب السياسة الأميركية (تحديداً الصين)، وبين العالم الحرّ (أو الغرب) وفق ما تُشير الخطة. وذكرت الاستراتيجية عدداً من الدول الخليجية، برغم أن هذه الدول تُقيم علاقات متميزة ومتوازنة مع الدول الآسيوية الكبرى، وهي تحتفظ لنفسها بهامش في سياق التجاذبات الدولية القائمة.
واللافت في أسطر الاستراتيجية، التي تناولت الشرق الأوسط، إعلان التخلّي عن سياسة تغيير الأنظمة لصالح اعتماد سياسة الردع في مواجهة القوى التي قد تتمرَّد على النظام العام، أو التي تُهدد المصالح الأميركية، عن طريق استخدام القوة من بعيد بوساطة طائرات "لوكاس" المُسيَّرة المتطورة والرخيصة الثمن، من دون الحاجة إلى زيادة المصاريف المالية على التدخلات العسكرية البرية والبحرية، ولا على القواعد العسكرية غير الضرورية. ومن الواضح أن هذه الإشارة تستهدف إيران بشكلٍ خاص، إضافة إلى مجموعات أخرى أو دول قد تُهدد أمن إسرائيل في المستقبل.
لا تلحظ الاستراتيجية الأميركية الجديدة أية مقاربة تجاه ملف التسوية، ولا لمشروع السلام، ولا تتحدث عن دولة فلسطينية، بل عن حلّ مشكلة إدارة قطاع غزَّة بالتوافق مع مشروع وقف إطلاق النار الذي فرضه الرئيس ترامب. وهذا الموضوع يُثير القلق، ذلك أنه لا يراعي الحقوق المشروعة للفلسطينيين، ولا يتوقف عند الطموحات العربية في تنفيذ مشروع التسوية الذي يرتكز على مبدأ الأرض مقابل السلام؛ وبالتالي فإن الموقف الأميركي لا يجامل الحلفاء الذين تحدثت عنهم الخطة، وأغلبية هؤلاء اتفقوا في قمة المنامة الخليجية الأخيرة على قواعد حلّ الأزمة التي تلحظ إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مقابل تفعيل التفاهمات الإبراهيمية وعملية التطبيع والسلام.
استراتيجية " أميركا أولاً"، من خلال تنفيذ سياسة براغماتية رشيقة لا تفرض أعباء مالية كبيرة، وتحقق الأهداف بأقل كلفة، من خلال ضرب الأعداء من بعد بوساطة الطائرات الحديثة، قد لا تتلاءم مع واقع دول المنطقة العربية والشرق أوسطية بشكلٍ عام، لأن واشنطن شريكة فعلية في أزمات المنطقة، وهي التي تُقدم الدعم لإسرائيل، وتحميها عند الضرورة؛ وهذه الوضعية تُبعِد عنها الحيادية في الصراع القائم، وتحملُها مسؤولية الاختلالات الكبيرة الناجمة عن استمرار العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين وعلى شعوب الدول المجاورة أيضاً. ولا يمكن للاستراتيجية الأميركية أن تتجاهل هذه الوضعية، لأن مقاربة الموقف الأميركي في الشرق الأوسط، ارتباطاً بتراجع أهمية الثروة النفطية بالنسبة لها، يُلزم باعتماد مقاربة سلمية جديدة تتعلَّق بالملف الفلسطيني، وبوضع حد للجنوح الإسرائيلي المُخيف.
ترغب الولايات المتحدة الأميركية في الإبقاء على نفوذها الاستراتيجي في المنطقة، بما لهذا النفوذ من تأثير في تعزيز مكانتها الدولية. ولكن ذلك لا يتماشى مع الرؤى الجديدة، بحيث إنها ستغيِّر قواعد اللعبة، وتتدخل عسكرياً من بُعد، وستعيد النظر بتقديماتها ومنحها العسكرية، بينما ركائز سياستها تجاه إسرائيل ستبقى ثابتة من حيث قيمة الدعم الكبيرة لها، ومن حيث تزويدها بأحدث ابتكارات السلاح الأميركي المتطور، بما يضمن لها تفوقاً على دول الجوار.
يحتاج الوضع إلى حوار صريح بين العرب وصنَّاع القرار في الدولة الأعظم.
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.