قمة برلين... كيف تُطيل أوروبا وكييف أمد الحرب في أوكرانيا؟ - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قمة برلين... كيف تُطيل أوروبا وكييف أمد الحرب في أوكرانيا؟ - وضوح نيوز, اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 04:25 صباحاً

مرة أخرى، تجتمع العواصم الأوروبية حول الطاولة، وهذه المرة في برلين، تحت لافتة "السلام في أوكرانيا". لكن خلف الخطابات عن القيم الأوروبية والمصير المشترك، يتكشّف أكثر: أوروبا وأوكرانيا تواصلان إدارة الحرب لا إنهاءها، وتبدوان أقرب إلى تعطيل أيّ تسوية حقيقية من دعمها مسار سلام واقعي.

 

قمة برلين، التي وصفت بأنها لحظة حاسمة، لم تحمل جديداً جوهرياً سوى إعادة إنتاج المواقف ذاتها. أوروبا، التي ترفع شعار "مصير أوكرانيا هو مصير أوروبا"، لم تُظهر حتى الآن استعداداً لتحمل كلفة سياسية أو أمنية حقيقية لإنهاء الحرب. فهي ترفض خطة السلام الأميركية، أو تتحفظ عليها، من دون أن تقدم بديلاً عملياً قابلاً للتنفيذ. والنتيجة: حرب مستمرة، واستنزاف مفتوح، وخطاب أخلاقي لا يغير شيئاً على الأرض.

 

المفارقة أن العواصم الأوروبية تتحدث عن السلام، لكنها في الوقت نفسه تصرّ على شروط تجعل التوصل إليه شبه مستحيل.

 

زيلينسكي (الثاني إلى اليمين) يصعد إلى السيارة بعد محادثات في المستشارية في 14 ديسمبر 2025 في برلين. (أ ف ب)

زيلينسكي (الثاني إلى اليمين) يصعد إلى السيارة بعد محادثات في المستشارية في 14 ديسمبر 2025 في برلين. (أ ف ب)

 

الضمانات الأمنية الواسعة، الوجود العسكري الردعي، ورفض أي تنازل إقليمي ذي معنى، كلها مطالب قد تكون مفهومة من منظور أوكراني، لكنها غير واقعية في ميزان القوى الحالي.

 

أوروبا تعلم ذلك، ومع ذلك تواصل تشجيع كييف على التمسك بسقف عالٍ من الشروط، وكأنّ الزمن يعمل لصالحها، بينما الوقائع الميدانيّة تقول العكس.

 

أمّا أوكرانيا، فترفع شعار "نعم للسلام، لكن…". هذه الـ"لكن" تحوّلت إلى أداة لتعطيل أيّ مبادرة". كييف تريد وقفاً لإطلاق النار، لكن بشروط لا يمكن لموسكو قبولها، وهي تلوح بإمكانية التنازل، لكنها تربط ذلك بانسحاب روسيّ شامل وضمانات أمنية غير مسبوقة، بل وبحلم الانضمام إلى "الناتو"، وهو أصلاً أحد أسباب اندلاع الحرب. بهذا المعنى، لا تفاوض أوكرانيا من موقع تسوية، بل من موقع إنكار لموازين القوى المتغيرة.

 

الأكثر إشكالية هو الدور الأوروبي في ملف الأصول الروسية المجمدة، فبدل توظيف هذه الورقة كجزء في صفقة سياسية شاملة، يجري التعامل معها كأداة عقابية وتمويل إضافي للحرب. هذا النهج لا يقرب السلام، بل يعمّق القطيعة، ويعزز السردية الروسية القائلة بأن أوروبا ليست وسيطاً، بل طرف في النزاع.

 

وهنا لا يمكن تجاهل التدهور الواضح في الوضع العسكري الأوكراني، خسائر ميدانية، نقص في الجنود، وتراجع القدرة الدفاعية على عدة جبهات. ومع ذلك، تصرّ أوروبا على خطاب "الدعم حتى النهاية"، من دون تعريف واضح لهذه النهاية.

 

هل هي مساع لاستعادة كلّ الأراضي، أم إنهاك لروسيا، أم مجرد إدارة حرب طويلة الأمد على حساب الأمن الأوروبي نفسه؟

 

قمة برلين، بدل أن تكون نقطة تحول نحو السلام، كشفت عن أزمة قرار أوروبية، وعن قيادة أوكرانية عالقة بين الواقعية السياسية وضغوط الحلفاء. استمرار الحرب لم يعد يخدم سوى منطق الاستنزاف، فيما يدفع المدنيون الثمن، وتدخل أوروبا في حلقة مفرغة من التصعيد والإنكار.

 

إذا كانت أوروبا جادة فعلاً في السلام، فعليها أن تنتقل من خطاب الدعم المفتوح إلى سياسة الضغط من أجل تسوية، حتى لو كانت مؤلمة. أما الاستمرار في معارضة أي خطة سلام بدعوى عدم مثاليتها، فلن يعني سوى شيء واحد: حرب أطول، خسائر أكبر، وأمن أوروبي أكثر هشاشة.

 

*باحث في الأمن الدولي والإرهاب - بون

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.