نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الذكاء الاصطناعي والمهارات الرقمية: شروط للبقاء والنجاح في سوق العمل - وضوح نيوز, اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025 04:55 صباحاً
سمر ضو*
يشهد العالم اليوم مرحلة مفصلية في تطوّر أسواق العمل، في ظل صعود الذكاء الاصطناعي كفاعل رئيسي لا يمكن تجاهل تأثيره على بنية الوظائف وطبيعة المهارات المطلوبة. وبهذا لم يعد دخول التقنيات الذكية إلى المؤسسات خطوة تجريبية أو رفاهية تقنية، بل تحوّل إلى ضرورة استراتيجية تعتمد عليها الشركات لتحسين الكفاءة، تعزيز الإنتاجية، وخفض التكاليف التشغيلية. ومع هذا التحوّل المتسارع، بات واضحاً أن من لا يواكب هذا التطور سيجد نفسه خارج دائرة المنافسة.
وبالفعل أثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على إعادة تشكيل وظائف كانت تقليدية لسنوات طويلة. فالمهام المتكررة التي كان يؤديها العاملون بشكل يدوي أصبحت اليوم تُنفّذ عبر خوارزميات وأنظمة قادرة على اتخاذ القرار وتحليل البيانات بدقة وسرعة تفوق الإنسان. وهذا الواقع يفرض على العاملين ضرورة اكتساب مهارات جديدة تتوافق مع متطلبات المرحلة المقبلة.
وأبرز مثال على ذلك، أنه لتسهيل الأعمال الروتينية واليومية، سواء في إدارة البريد الإلكتروني أو جدولة المواعيد والاجتماعات يقوم الذكاء الاصطناعي بتصنيف الرسائل حسب الأولوية، يقترح ردوداً جاهزة، ويذكرك بالمواعيد المهمة.
يبقى الدور البشري عنصراً أساسياً في التحقق، والتدقيق، واتخاذ القرار. (أ ف ب)
ليس هذا فحسب، بل يقترح أفضل أوقات الاجتماعات تلقائياً ويرسل الدعوات. كما يساعد في إعداد التقارير والملخصات، وإعداد المستندات والنماذج التلقائية بسرعة ودقة، مع تقليل الأخطاء اللغوية والمهنية، ليصبح شريكاً أساسياً في تعزيز الإنتاجية وجودة العمل.
وفي هذا السياق، يبرز تأثير الذكاء الاصطناعي بوضوح في قطاع الإعلام، حيث جرى إدماج أدواته في مراحل متعددة من إنتاج الخبر، من تحليل البيانات ورصد الاتجاهات، إلى تلخيص المحتوى والمساعدة في إعداد المسودات الأولية. وقد أسهم ذلك في تقليص الاعتماد على المهام الروتينية، مقابل تعزيز دور الصحافي في التحقق والتحليل وصياغة الزوايا المعمّقة.
إلا أن التجربة العملية أظهرت أن الاعتماد الكامل على هذه التقنيات ينطوي على تحديات مهنية، أبرزها احتمال الوقوع في أخطاء تتعلق بدقة المعلومات والسياق. وبهذا يظل الذكاء الاصطناعي أداة مساندة لا بديلاً عن الصحافي، ليبقى الدور البشري عنصراً أساسياً في التحقق، والتدقيق، واتخاذ القرار.
وبناء على ما سبق، نجد أن الحديث لم يعد يدور حول إمكانية تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف، بل حول سرعة هذا التأثير وحجمه. فالقطاعات كافة، من الإعلام والتعليم والتسويق الرقمي، إلى الصناعات الثقيلة والقطاع المالي والرعاية الصحية، تتجه نحو اعتماد أنظمة ذكية تدعم عملياتها اليومية. وأصبحت الشركات التي كانت تعتمد سابقاً على الخبرة التقليدية تبحث اليوم عن كوادر تمتلك القدرة على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وفهم البيانات، وتشغيل الأنظمة المؤتمتة، وإدارة التحولات الرقمية داخل بيئة العمل.
ونستطيع القول إن هذا التحوّل لا يعكس تهديداً فقط، بل يشكّل فرصة واسعة أمام من يبادرون إلى تطوير مهاراتهم. فالطلب يتزايد على اختصاصات جديدة مثل تحليل البيانات الضخمة، أمن المعلومات، برمجة النماذج التنبؤية، الإشراف على الأتمتة الذكية، وتصميم الحلول الرقمية. وباتت المؤسسات تمنح الأفضلية للعاملين الذين يتمتعون بقدرة عالية على التكيّف مع التغيّرات المستمرة والتعلّم الذاتي.
وحول إمكانية كل فرد بفهم طبيعة الذكاء الاصطناعي وكيف يؤثر على العمل اليومي. لا يشترط هذا التحول بأن تصبح خبيراً بالبرمجة، لكن أصبح من الضروري على كل فرد التعرف على المفاهيم الأساسية مثل البيانات والخوارزميات والأتمتة، لأن الفهم الجيد يتيح استغلال هذه الأدوات بشكل فعّال.
وبحسب نتائج تقرير Future of Jobs 2025 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن الوظائف الأسرع نمواً بحلول عام 2030 تتأثر بشكل كبير بالتطورات التكنولوجية، مثل التقدّم في الذكاء الاصطناعي والروبوتات وزيادة الوصول الرقمي. وتتصدّر قائمة الوظائف الأسرع نمواً تخصصات مثل أخصائي البيانات الكبيرة، مهندسو التكنولوجيا المالية (FinTech)، أخصائيو الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، ومطورو البرمجيات والتطبيقات.
كما تشمل الوظائف الأسرع نمواً في قطاع الطاقة والتحوّل البيئي، مثل: متخصصو المركبات المستقلة والكهربائية، المهندسون البيئيون، ومهندسو الطاقة المتجددة. ويعود نمو هذه الوظائف إلى الجهود المتزايدة والاستثمارات الرامية إلى خفض الانبعاثات الكربونية والتكيف مع التغير المناخي، إضافة إلى انتشار تقنيات توليد الطاقة وتخزينها وتوزيعها.
أخيراً، على كل فرد أن يدرك أن الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة وليست حلاً شاملاً. لذلك، من الضروري التحقق دائماً من دقة المعلومات والحذر من الأخطاء المحتملة. ويظل الدور البشري العنصر الأساسي لضمان مصداقية العمل وجودته، وهو العامل الفاصل الذي يضيف القيمة الحقيقية في بيئة العمل الحديثة.
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.