نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رحلة ترميم فيلمي أم كلثوم للعرض في "البحر الأحمر" - وضوح نيوز, اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025 09:55 صباحاً
جدة - أحمد عدلي
في الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، جاء ترميم فيلمين من أفلام أم كلثوم ليضع الضوء مجدداً على جانب مهم من تراث كوكب الشرق عبر نتاجها السينمائي الذي ظلّ سنوات طويلة أسير النسخ المتضررة.
تحوّل المشروع إلى مناسبة لإعادة قراءة هذه المرحلة من تاريخها الفني، بعدما أتاح التعاون بين المهرجان ومركز إحياء التراث السمعي والبصري بمدينة الإنتاج الإعلامي بمصر إمكانية استعادة نسخ عالية الجودة من "عايدة" و"نشيد الأمل"، اللذين ينتميان إلى مرحلة مبكرة من تاريخ السينما العربية.
يعدّ المركز إحدى أهم الجهات المتخصّصة في صون التراث البصري في المنطقة العربية، ويستند في عمله إلى منهجية دقيقة تبدأ من استقبال المادة الفيلمية وتقييم حالتها، وفق حديث المديرة العامة للمركز المهندسة ندى حسام الدين فرحات لـ"النهار"، التي أكدت أن النسخ التي وصلت كانت في حالة تفرض معالجة شاملة، بسبب ما تراكم عليها من تلف ناتج عن تقادم الزمن وسوء التخزين واعتماد خامات حسّاسة بطبيعتها. فمعظم أفلام تلك الحقبة أُنتجت على شرائط جيلاتينية تتأثر بالرطوبة والحرارة وتتعرّض للانكماش والتمزّقات بسهولة، وهو ما ظهر بوضوح في المادتين الخاصتين بفيلمي أم كلثوم.
السيدة في مهرجان البحر الأحمر.
وأوضحت أن المهرجان يتعاون معهم منذ الدورة الأولى في ترميم الأفلام وبلغ عدد الأفلام التي جرى ترميمها على مدار الخمس دورات 10 أفلام، لافتة إلى أن اختيار فيلمين لكوكب الشرق جاء من إدارة المهرجان بعد الحصول على حقوقهما من شركة "راديو وتلفزيون العرب" المالكة للعملين.
بدأ العمل بعملية الفحص التفصيلي لكل شريط، عبر أجهزة تقيس نسبة الانكماش، وحدود التلف في الثقوب الجانبية، ودرجة تآكل الطبقة الحساسة، وحجم التشوّهات الناتجة عن العفن. وبحسب فرحات، فإن كل فيلم يخضع لخطة ترميم خاصة به، لأن نمط التلف يختلف تبعاً لسنوات التخزين ونوع المادة الخام والمعالجات القديمة التي تعرّض لها. وفي حالة "نشيد الأمل"، استغرق إعداد الخطة وحده وقتاً طويلاً بسبب كثرة المشكلات في النسخة، فيما كانت حالة "عايدة" أفضل نسبياً، لكنها احتاجت إلى معالجة واسعة للصوت.
بعد انتهاء مرحلة التقييم، انتقل الفريق إلى التنظيف الميكانيكي والكيميائي لإزالة الأتربة والبقع والرواسب الدقيقة، وتستخدم هذه المرحلة معدات ذات حساسية عالية، قادرة على تنظيف السطح دون إحداث خدش واحد، لأن أي أثر مهما كان بسيطاً قد يتحوّل لاحقاً إلى مشكلة أثناء المسح الرقمي.
أم كلثوم في السينما.
توضح حسام الدين أن الفيلم يمرّ في هذه المرحلة حرفياً "ملليمتراً ملليمتراً"، بحيث يجري التعامل مع كل جزء وفق درجة تلفه، ثم جاءت مرحلة الإصلاح المادي، وهي من أكثر المراحل تطلباً للخبرة. ففي هذه المرحلة تُصلح الثقوب المتآكلة، وتُعالج الانقطاعات، ويُعاد ترتيب الأجزاء التي أصابها الانكماش، ويُعاد تثبيت الشريط بحيث يصبح قادراً على المرور داخل أجهزة المسح من دون مخاطر.
بعد تثبيت الشريط مادياً، تبدأ أهم خطوة، وهي المسح الرقمي. وقد استخدم المركز أجهزة مسح بدقة 6K، وهي دقة تسمح باستخلاص كل ما يختزنه الشريط من تفاصيل، تلتقط هذه الأجهزة الحبوب الأصلية للصورة، والأضواء الخافتة، والظلال الدقيقة، وحتى العيوب التي لا تُرى بالعين المجرّدة، وهذه المرحلة كانت حاسمة في إعادة تشكيل الصورة في "عايدة" و"نشيد الأمل"، لأن النسخ القديمة كانت باهتة، ومليئة بالتشويش والاهتزازات.
بعد الحصول على النسخ الرقمية العالية الجودة، تبدأ مرحلة المعالجة، وتشمل إزالة الخدوش، وتثبيت الإطار، وإصلاح الاهتزاز، ومعالجة الضوضاء البصرية. وهنا يحرص المركز على مبدأ أساسي، هو الحفاظ على الهوية الأصلية للصورة من دون تجميل زائد يفقد الفيلم طابعه التاريخي، وفق المهندسة المصرية التي أكدت أن الهدف هو استعادة الفيلم كما كان، لا إعادة إنتاجه بشكل مختلف، مؤكدة أن هذه السياسة المهنية هي ما يعكس مصداقية المركز ويجعله شريكاً دائماً لمؤسسات سينمائية كبرى.
“نشيد الأمل“ لأم كلثوم.
وبالتوازي مع معالجة الصورة، خضع الصوت أيضاً لعمليات تنظيف وإزالة تشويش وتصحيح للتشققات، خصوصاً أن التسجيلات الموسيقية والغنائية لأم كلثوم من عناصر الفيلم التي لا يمكن المساس بها. وقد واجه فريق الصوت تحدّيات كبيرة في "نشيد الأمل" بسبب وجود ضوضاء ثابتة ناتجة عن تقادم الشريط، فيما احتاج "عايدة" إلى موازنة أفضل بين عناصر المشهد الصوتي.
بعد اكتمال المعالجات، يخضع كل فيلم لسلسلة اختبارات عرض داخلية، للتأكد من تزامن الصوت والصورة واستقرار الحركة وجودة الإضاءة. ثم تُحفظ النسخ الرقمية في أرشيف مجهّز بمعايير حديثة، ضماناً لإبقائها متاحة للأجيال المقبلة وعدم تعرّضها لأيّ ظروف قد تشوّهها.