العربية.. لغة القرآن وسحر البيان - وضوح نيوز

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العربية.. لغة القرآن وسحر البيان - وضوح نيوز, اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025 10:50 مساءً

أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي

وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ

فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ وتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ

قفزت هذه الأبيات لشاعر النيل حافظ إبراهيم -رحمه الله- من الذاكرة على لساني، ونحن نحتفي اليوم 18 ديسمبر باليوم العالمي للغة العربية..

في كل عام، حين يطلّ الثامن عشر من ديسمبر، يقف العالم إجلالاً لهذه اللغة العريقة. هذا التاريخ لم يكن وليد الصدفة، بل هو ذكرى اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة اللغة العربية لغةً رسميةً وسادسة في منظومتها عام 1973. ومنذ ذلك الحين، صار هذا اليوم عُرساً سنويًا نحتفي فيه بجذورنا التي تمتد في أعماق التاريخ لأكثر من ثمانية عشر قرنًا، وبأدبنا الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بفرائد شعره وجواهر نثره.

واللغة العربية بالنسبة لِأهلها تتجاوز مجرد حروفٍ تُرسم، أو أصواتٍ تُنطق، لتكون هي نَبضُ هُويةٍ، ووعاءُ فكرٍ، وسحرُ بيانٍ تجلّى في أبهى صوره. هي اللغة التي استودع الله فيها أسرار كتابه، فاصطفاها من بين لغات العالمين لتكون وعاءً للوحي، ومنارةً للهداية ( بلسان عربي مبين)، فصارت بهذا التشريف لغةً لا يدركها الفناء، ولا ينال من بهائها غبار الزمن.

وإن وقَفنا اليوم نتأمل واقع لغتنا، لوجدناه واقعاً يمتزج فيه جلالُ الماضي بشجن الحاضر. فاللغة العربية اليوم تعيش في صراعٍ مع موجات التغريب، وزحف اللهجات الهجين، واجتياح المصطلحات الوافدة التي باتت تزاحم "الضاد" في عقر دارها وعلى ألسنة أبنائها. وعلى الرغم من هذا التحدي، تظل العربية كالبحر في أحشائه الدرّ كامنٌ، فهي لغةٌ مرنة، رحبة، استوعبت شتى العلوم والفلسفات قديمًا، وهي قادرة اليوم -بثراء اشتقاقاتها- على استيعاب معجزات التقنية الحديثة، إن وجَدت من أبنائها عزماً لا يلين، وفصاحةً لا تستكين.

إنَّ الحفاظ على اللغة العربية ليس ترفاً فكريًا، بل هو معركة وجود، فإذا ضاعت اللغة، تلاشت الهوية، وانقطع الصّلة بالجذور. إن واجبنا تجاه "الأم" يملي علينا خطواتٍ ملموسة:

-عشقُ السماع والنطق: أن نغرس في نفوس أطفالنا حب العربية منذ المهد، لا بالتلقين الجاف، بل بروعة القصة، وعذوبة الأنشودة، وجعلها لغة الحياة والحب.

-الاعتزازُ والممارسة: أن نجعل الفصحى -اليسيرة القريبة- لغة الخطاب في محافلنا، ومكاتباتنا، ومنصات تواصلنا، فلا نرتدي لغات الآخرين زهواً ونحن نملك أبهى الحلل.

-المحتوى الرقمي: تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات أن حجم المحتوى العربي على الإنترنت لا يتجاوز 3%. من نسبة المحتوى العالمي على الإنترنت على الرغم من أن المنطقة العربية تشكل 5.1% من سكان العالم، وحوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. إلا أن وتيرة نمو المحتوى الرقمي العربي ومدى مساهمته في سد الفجوة الرقمية تبقى في دائرة الاستفهام. لذا فمن واجبنا أن نثري شبكة الإنترنت بمحتوى عربي رصين، يجمع بين دقة المعلومة وجمال الصياغة لنثبت للعالم أن لغتنا لغة علمٍ وثقافة وحياة.

التعليم المُبدع: تطوير المناهج وطرق تدريس اللغة العربية لتقترب من وجدان الجيل الجديد، بعيداً عن الجمود الذي قد ينفر البعض من رحابها.

إنَّ العربية لا تحتاج إلى يومٍ واحدٍ لينصفها، فهي "سيدة اللغات" بجمالها، واشتقاقاتها، وموسيقاها الداخلية. لكنَّ هذا اليوم هو وقفةٌ مع الذات، لنجدد ميثاق الوفاء للساننا العربي، ولنؤكد للعالم أننا أمةٌ تعتز ببيانها، وتفخر بتراثها، وتمضي نحو المستقبل وهي تحمل في قلبها "نور الضاد" الذي لا ينطفئ.

وفي الختام لابد أن نحيي جهود مجمع اللغة العربية والمؤسسات العلمية والتعليمية التي تبذل جهودها في الحفاظ على اللغة وتراثها، وتحية لأهل الضاد جميعا ومحبي العربية من كتاب ومبدعين ومعلمين وإعلاميين الساعين للحفاظ على اللغة العربية بإحيائها والزود عنها والحفاظ عليها.

وأخيرا: يا لغة القرآن.. دمتِ لنا عزةً، ودام بيانكِ سحرا يغمر الوجدان.

اقرأ أيضاً
حسين الناظر لـ «الأسبوع»: فخور بوجود نجلي ضمن خريجي أول دفعة لكلية الذكاء الاصطناعي

« اللغة العربية وتحديات عصر الرقمنة».. ندوة علمية بآداب بنها