موسم الأعياد ماكينة إنفاق عالمية - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
موسم الأعياد ماكينة إنفاق عالمية - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 19 ديسمبر 2025 08:45 صباحاً

لم تعد الأعياد مجرّد مناسبات اجتماعية أو دينية، بل أصبحت واحدة من أكثر الظواهر الاقتصادية انتظاماً وأثراً في العالم. تمثّل فترة الميلاد ورأس السنة صدمة طلب موسمية مركّزة زمنياً، تُعَاد فيها برمجة سلوك المستهلكين، وسلاسل الإمداد، وأسواق العمل، وحتى قرارات التسعير والاستثمار. وخلال أسابيع قليلة، تتدفّق مئات المليارات من الدولارات في قطاعات التجزئة، والسفر، والضيافة، والتجارة الإلكترونية، في مشهد اقتصادي كثيف لا يتكرر في أي وقت آخر من السنة.

عالمياً، تشير بيانات مواسم عيدي الميلاد ورأس السنة الأخيرة إلى أن حجم الإنفاق بات غير مسبوق. في الولايات المتحدة وحدها، تجاوز الإنفاق في موسم العطلات هذا حاجز التريليون دولار للمرة الأولى، مع متوسط إنفاق للفرد بلغ نحو 890 دولاراً تشمل الهدايا والطعام والديكور والسفر. اللافت أن التجارة الإلكترونية أصبحت المحرّك الأسرع نمواً، مع زيادات سنوية تراوحت بين سبعة وتسعة في المئة، مقارنة بنمو أبطأ للمتاجر التقليدية. هذه الأرقام تعكس تحولاً هيكلياً لا ظرفياً، إذ بات "الضغط الزمني" على صعيد الشراء في نهاية العام يرفع قيمة السرعة والموثوقية والخدمات اللوجستية، ويُضخّم أرباح من يملك القدرة على التسليم السريع.

اقتصادياً، تكمن أهمية موسم عيدي الميلاد ورأس السنة في كونه لا يزيد الإنفاق فقط، بل يضغطه أيضاً في فترة زمنية قصيرة. هذا الضغط يرفع الطلب على العمالة المؤقتة، ويزيد تكلفة التخزين والتمويل، ويجعل أي خلل في سلاسل الإمداد مكلفاً للغاية. كذلك يُموَّل جزء معتبر من هذا الإنفاق عبر الائتمان، ما يجعل الموسم اختباراً فعلياً لصحة ميزانيات الأسر وقدرتها على تحمّل الفوائد المرتفعة، ولاسيما في بيئات تشهد تضخماً أو تشدداً نقدياً.

 

هدايا تحت شجرة الميلاد. (وكالات)

هدايا تحت شجرة الميلاد. (وكالات)

 

 

لكن الفارق الحقيقي يظهر عند الانتقال إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فهنا، لا يعمل موسم الأعياد وفق النموذج الغربي التقليدي المستند إلى الأسر والهدايا فقط، بل يتحول أيضاً، ولاسيما عيد رأس السنة، إلى اقتصاد سياحي وتجريبي بامتياز. في دول الخليج، تمثل نهاية العام ذروة الموسم السياحي. سجلت دولة الإمارات العربية المتحدة، مثلاً، معدلات إشغال فندقي قاربت 79 في المئة خلال الأشهر الأولى من عام 2025، مع ارتفاع متوسط سعر الغرفة بنحو ستة في المئة. وفي مستويات كهذه من الإشغال، تتحول أيام رأس السنة إلى مصدر أرباح استثنائي، إذ تُرفَع الأسعار وتُفرَض مدد إقامة دنيا، ما يضاعف العائد من نافذة زمنية ضيقة.

في المملكة العربية السعودية، يبدو النموذج مختلفاً لكنه لا يقل كثافة. الاقتصاد الموسمي هنا مدفوع بـ"اقتصاد الفعاليات" والسياحة الداخلية. في الفصل الأول من عام 2025 وحده، تجاوز إنفاق الزوار الدوليين 49 مليار ريال (13 مليار دولار)، مسجلاً نمواً بنحو 10 في المئة على أساس سنوي، مع فائض واضح في ميزان السفر. الفعاليات الكبرى والمواسم الترفيهية تحوّل نهاية العام إلى محرك للطلب، ينعكس مباشرة على قطاعات الضيافة والمطاعم والنقل والمدفوعات الإلكترونية.

أما في بلدان المشرق وشمال أفريقيا حيث للميلاد حضور ثقافي أوسع، يبقى الأثر الاقتصادي رهينة عوامل أخرى: القدرة الشرائية، والاستقرار النقدي، وتدفقات المغتربين. في لبنان، مثلاً، تصل نسب إشغال الطائرات خلال فترة الأعياد إلى نحو 90 في المئة، ما يعكس دور الاغتراب في ضخ الطلب الموسمي. غير أن هذا الأثر يظل محدود السقف في ظل تراجع أعداد الزوار الإجمالية وتقلّص مساهمة السياحة في الناتج المحلي مقارنة بسنوات سابقة.

الخلاصة أن الميلاد ورأس السنة لم يعودا مجرد موسم استهلاكي، بل مختبراً اقتصادياً مكثفاً. في الغرب، هما اختبار لثقة المستهلك والائتمان. وفي الخليج، هما ذروة نموذج اقتصادي يستند إلى السياحة والفعاليات. وفي دول أكثر هشاشة، هما نافذة قصيرة تلتقط فيها الاقتصادات أنفاسها. وفي الحالات كلها، تكشف الأعياد حقيقة بسيطة: حين يلتقي الزمن بالطلب، تصبح الأيام القليلة أغلى من الشهور الطويلة.