نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لقاء النار.. نتنياهو يراهن على ترامب لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 19 ديسمبر 2025 11:10 صباحاً
الدكتور محمد اليمني، الخبير في العلاقات الدولية
يأتي الإعلان الإعلامي الإسرائيلي عن أنّ اللقاء المرتقب بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سيحدد موقف إسرائيل من التصعيد في لبنان في لحظة سياسية وأمنية شديدة الحساسية، تتقاطع فيها اعتبارات داخلية إسرائيلية، وضغوط أمريكية على لبنان، وحسابات إقليمية معقّدة. وفي السياق نفسه، أفادت تسريبات دبلوماسية بأن واشنطن أبلغت بيروت أنها قد لا تكون قادرة على منع إسرائيل من تنفيذ عملية عسكرية إذا لم يُتخذ مسار سريع لنزع سلاح حزب الله.
يهدف هذا التقدير إلى تحليل أبعاد هذه المعطيات من منظور استراتيجي شامل، وفهم دلالات انتقال الضغط الأمريكي من صيغة “الاحتواء” إلى صيغة أقرب إلى “التفويض المشروط”، إضافة إلى استشراف السيناريوهات المتوقعة على المدى القريب.
السياق السياسي والاستراتيجي العام
1. موقع الأزمة اللبنانية - الإسرائيلية في الحسابات الإسرائيلية
تعاني إسرائيل من مأزق استراتيجي بعد حرب غزة الممتدة وارتفاع كلفة استمرار الجبهة الشمالية المفتوحة مع حزب الله. ويشكّل ملف الشمال بالنسبة لنتنياهو عاملاً داخلياً ضاغطاً نظراً إلى:
استمرار تهجير أكثر من 80 ألف مستوطن من الجليل الأعلى.
الضغط من قوى اليمين على ضرورة “إعادة الردع”.
المخاوف من تآكل صورة الجيش الإسرائيلي وتعرضه للاستنزاف.
وبذلك باتت إسرائيل تبحث عن غطاء سياسي أمريكي قبل أي خطوة عسكرية واسعة ضد لبنان، وهو ما يفسّر ربط قرار التصعيد باللقاء المرتقب مع ترامب.
2. الإطار الدولي: تحولات في الموقف الأمريكي
التحذير الأمريكي غير المسبوق لبيروت يُظهر تغيّراً في لهجة واشنطن ويتضمن ثلاث رسائل رئيسية:
1. تخفيض درجة الالتزام الأمريكي بمنع الحرب، وهو تحول خطير في السياق الدبلوماسي.
2. تحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية مباشرة في ملف سلاح حزب الله، رغم إدراك واشنطن أن بيروت غير قادرة عملياً على اتخاذ خطوات جذرية.
3. إشعار حزب الله بأن البيئة الدولية باتت أقل صبراً على منهج الاشتباك الحالي على الحدود.
هذا التحول لا يعني تفويضاً كاملاً لإسرائيل، لكنه يمثل “ضوءاً أصفر” يتيح لها هامشاً واسعاً للتحرك.
3. الحسابات اللبنانية - حزب الله
يقرأ حزب الله الرسائل الأميركية والإسرائيلية عبر ثلاثة أبعاد:
بعد الردع: الحفاظ على معادلة الردع التي تمنع إسرائيل من شنّ حرب واسعة.
بعد الجبهة الغزّية: ربط أي تصعيد في لبنان بالمشهد الأوسع في غزة وميزان القوى الإقليمي.
بعد الاستنزاف: تجنّب إغراق لبنان في حرب قد تكون الأكثر كلفة في تاريخه الحديث.
بناءً عليه، يتريّث حزب الله في رفع مستوى الاشتباك، لكنه في الوقت ذاته يرفض أي صيغة تهدد قواعد الردع أو تحاول فرض شروط أمريكية عبر الضغط على الدولة اللبنانية.
دلالات الموقف الإسرائيلي وربط التصعيد بلقاء نتنياهو - ترامب
1. الحاجة لشرعية سياسية أمريكية مباشرة
يمثل ترامب بالنسبة لنتنياهو فرصة لانتزاع تعهّد أو دعم سياسي يُترجم إلى غطاء أمريكي لأي عملية عسكرية. فالجيش الإسرائيلي يدرك أن الحرب في الشمال لن تكون كحرب غزة، وأنها تحتاج لظهير دولي يضمن:
استمرار الدعم العسكري.
الحد من الضغوط الأوروبية.
توفير حماية سياسية في مجلس الأمن.
2. الرغبة في استعادة الردع دون حرب شاملة
ربط القرار بلقاء ترامب يشير إلى أن إسرائيل تتجه نحو عملية محدودة تهدف إلى:
إبعاد المواقع المتقدمة لحزب الله.
إعادة النازحين الإسرائيليين للشمال.
ضرب قدرات صاروخية محددة.
وليس إلى حرب تهدف لإسقاط حزب الله، لأن هذا الخيار غير قابل للتحقق واقعياً.
3. استثمار اللحظة السياسية في الولايات المتحدة
نتنياهو يسعى لخلق تقاطع مصالح مع ترامب يقوم على:
تقديم “إنجاز أمني” مشترك على حساب حزب الله.
تعزيز موقع ترامب في الداخل الأمريكي قبيل عودته المحتملة للمشهد الرسمي.
استعادة العلاقة الشخصية والاستراتيجية التي لطالما استفاد منها نتنياهو.
تحليل الرسالة الأمريكية إلى لبنان - الدلالات والتوقيت
1. ضغط استباقي لتفادي تصعيد شامل
تحاول واشنطن دفع بيروت لاتخاذ خطوات رمزية، ولو غير مؤثرة، يمكن استخدامها دبلوماسياً لعرقلة اندفاعة إسرائيل نحو حرب.
2. نقل عبء قرار الحرب إلى لبنان وحزب الله
تحمل الرسالة دلالة واضحة.
> إذا اندلعت الحرب، فإن واشنطن ليست طرفاً مسؤولاً عن منعها.
وهذا يعزز قدرة إسرائيل على تحميل حزب الله مسؤولية الانزلاق.
3. الموقف الأمريكي بين الردع والضبط
ورغم حدّتها، لا تزال واشنطن ملتزمة بعدم الانجرار إلى حرب واسعة قد تستدعي تدخلاً أمريكياً مباشراً أو تعرّض القوات الأمريكية في المنطقة للخطر.
لذلك تستخدم أسلوب “التهديد المشروط”، وليس التفويض الصريح.
المشهد الإقليمي وتأثيراته
1. إيران: ضبط الإيقاع دون مواجهة مباشرة
إيران تدعم حزب الله كجزء من منظومة الردع الإقليمي، لكنها ليست في وارد فتح حرب إقليمية كبرى.
أي تصعيد يجب أن يُقرأ ضمن معادلة:
استمرار الدعم السياسي والعسكري المحدود
تجنب مواجهة واسعة مع واشنطن
الحفاظ على خطوط الإمداد في سوريا
2. سوريا: احتمال توسع ساحة الاشتباك
تخشى إسرائيل من أن يؤدي أي تصعيد في لبنان إلى “نشاط إضافي” للجماعات الموالية لإيران في سوريا. وقد نشهد:
استهداف مستودعات أسلحة في العمق السوري
تصاعد الضربات الجوية الإسرائيلية
ردود تكتيكية محسوبة من المجموعات المحسوبة على طهران
3. الدول الخليجية: القلق من الانفجار الإقليمي
أي تصعيد كبير قد يهدد:
أمن الملاحة
إمدادات الطاقة
الاستقرار الاقتصادي الإقليمي
لذلك ستسعى العواصم الخليجية للضغط على واشنطن لمنع الحرب الشاملة.
السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول: عملية إسرائيلية محدودة بضوء أخضر سياسي (55%)
الملامح:
ضربات دقيقة لمواقع حزب الله القريبة من الحدود.
محاولة خلق “منطقة عازلة نارية”.
هدف سياسي: إعادة النازحين وتقوية الردع.
مخاطر السيناريو:
رد حزب الله قد يتجاوز توقعات إسرائيل ويؤدي إلى توسع الاشتباك.
تعرّض الجبهة الداخلية الإسرائيلية لوابل من الصواريخ.
السيناريو الثاني: تصعيد دون حرب - تهديدات متبادلة (30%)
الملامح:
استمرار القصف المتبادل ضمن قواعد الاشتباك.
تصعيد محدود دون تجاوز الخطوط الحمراء.
استخدام الدبلوماسية الأمريكية للتهدئة.
سبب رجحانه الثاني:
إسرائيل تخشى من حرب استنزاف طويلة، وحزب الله يدرك كلفة الانجرار إلى مواجهة شاملة.
السيناريو الثالث: حرب واسعة نتيجة خطأ في الحسابات (15%)
الملامح:
تبادل ضربات مكثفة.
استهداف العمق الإسرائيلي.
انخراط سوريا ومجموعات إقليمية في مواجهات جانبية.
مخاطره:
انهيار البنية التحتية اللبنانية.
تهديد مباشر للأمن الإسرائيلي.
تدخل دولي عاجل قد لا يضمن وقفاً سريعاً لإطلاق النار.
الاستنتاجات العامة
1. توقيت التصريحات الإسرائيلية والأمريكية يعكس انتقال المشهد من ضغوط سياسية إلى تهديدات عملياتية حقيقية.
2. إسرائيل تبحث عن غطاء سياسي أمريكي قبل أي خطوة عسكرية في لبنان، وهو ما يجعل لقاء نتنياهو - ترامب محورياً.
3. واشنطن تريد تجنب حرب، لكنها تستخدم الضغط على لبنان كورقة تفاوضية مع حزب الله وإيران.
4. حزب الله لا يريد حرباً، لكنه لن يقبل بفرض واقع جديد على الحدود الشمالية.
5. احتمالية اندلاع مواجهة محدودة هي الأكثر ترجيحاً، بينما الحرب الشاملة تبقى مرتبطة بخطأ تقدير أو تصعيد غير محسوب.
تدلّ المؤشرات على أن الجبهة اللبنانية تقف أمام تحول استراتيجي قد يعيد رسم قواعد الاشتباك القائمة منذ عام 2006. فاللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب لا يمثل مجرد محطة سياسية، بل يشكل مفصلاً قد يحدد مستقبل الأمن الإقليمي لسنوات قادمة.
وفي ظل ارتفاع منسوب المخاطر، يصبح الدور الدبلوماسي الأميركي — رغم رسائله الحادة — عاملاً حاسماً في منع تحول التوتر إلى حرب مفتوحة، أو على الأقل تأطير أي عملية عسكرية ضمن حدود “التصعيد المحسوب”.