2025: العالم بلا أقنعة - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
2025: العالم بلا أقنعة - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 19 ديسمبر 2025 11:15 صباحاً

فرانسيسكا موسى

 

 

لم يأتِ عام 2025 كرقمٍ عابر في رزنامة الزمن، بل كعتبةٍ سياسية يقف عندها العالم مترددًا بين ما كان، وما لم يتشكّل بعد.
ما يجري اليوم ليس سوء إدارة، ولا تعقيد ظروف، ولا نتيجة أزمات عالمية خارجة عن السيطرة. ما يجري هو فشل سياسي موصوف، مستمر، ومقصود أحيانًا. هذا العام لا يكشف عجز الأنظمة فحسب، بل يفضح كذبها المتراكم، وتواطؤها الصامت، وقدرتها المذهلة على البقاء واقفة فوق أنقاض مجتمعاتها.

العالم في 2025 لا يُدار، بل يُستنزف. السياسة لم تعد أداة حكم، بل أداة حماية للنخب. قرارات تُتَّخذ لإنقاذ الأسواق لا الناس، ولحماية النفوذ لا الدول. المواطن لم يعد محور السياسة، بل عبء عليها. وحين تُطرح أسئلة العدالة والمحاسبة، تُدفن تحت عناوين أكبر: الأمن، الاستقرار، المصلحة العليا… وهي كلمات فقدت معناها من كثرة استخدامها لتبرير الفشل.

vkecz35g_213840_large_110417.webp

الدول الكبرى، التي ادّعت لعقود قيادة العالم أخلاقيًا، تدخل 2025 وهي عاجزة حتى عن ضبط تناقضاتها. تتحدّث عن الديمقراطية، وتدعم أنظمة قمعية. ترفع شعار حقوق الإنسان، وتغضّ الطرف عن الانتهاكات حين لا تمسّ مصالحها. هذا ليس نفاقًا سياسيًا جديدًا، بل سياسة عارية وصلت إلى مرحلة لم تعد تشعر فيها بالحاجة إلى التبرير.

أما الشرق الأوسط، فلا يعيش أزمة، بل يعيش حصيلة خيارات خاطئة متراكمة. أنظمة تحكم بلا مساءلة، نخب تُعيد إنتاج نفسها رغم فشلها، ودول تُدار بعقلية الغنيمة لا بعقلية الدولة. في 2025، لم يعد السؤال: لماذا انهارت الدول؟ بل: كيف ما زالت هذه الطبقة السياسية قائمة رغم كل هذا الخراب؟

في لبنان، تحوّل الحكم إلى مسرحية بلا جمهور… سوى الضحايا. الحديث عن "الإصلاح" بلا محاسبة اصبحت إهانة للعقل. والحديث عن "الإنقاذ" من دون تغيير جذري في منظومة الحكم ليس سوى تضليل متعمّد. في 2025، لم يعد الانهيار حدثًا، بل سياسة يومية. والسلطة لم تعد تفشل في إدارة الدولة، بل تنجح في إدارة الانهيار وتوزيع خسائره على الناس. السياسي الذي يطلب من الناس الصبر اليوم، لا يطلب وقتًا، بل يطلب تنازلًا عن الكرامة. والطبقة التي تخوّف من الفوضى، هي نفسها التي صنعتها. كل تأجيل في العدالة هو مشاركة في الجريمة، وكل صمت باسم "المرحلة الحساسة" غطاء سياسي للفشل. الخطير في 2025 أن الكذب لم يعد يُمارَس بخجل. يُقال للناس إن لا بديل، بينما البديل الوحيد المرفوض هو المحاسبة. يُقال إن التغيير خطر، بينما الخطر الحقيقي هو استمرار المنظومة نفسها. ويُقال إن الشعوب غير جاهزة، وكأن الجوع والهجرة والانهيار النفسي لم تكن اختبارات كافية. لكن التابو الأكبر الذي يسقط في 2025 هو وهم الخوف. لم تعد الشعوب تخاف كما في السابق، لكنها متعبة. وهذا التعب هو أخطر ما يمكن أن تراهن عليه السلطة. حين يتحوّل الغضب إلى إنهاك، والصدمة إلى اعتياد، يصبح الانهيار مستقرًا… وهذا هو الانتصار الحقيقي للفشل السياسي.

2025 ليس سنة أزمات، بل سنة أدلّة. أدلّة على أن معظم الأنظمة لم تكن يومًا في موقع الحل، بل في موقع العرقلة. أدلّة على أن الإصلاح من داخل منظومات فاسدة كذبة مدروسة. وأدلّة على أن المستقبل لا يُمنح، بل يُنتزع بوعي طويل النفس، لا بثورات موسمية ولا بشعارات مستهلكة.

هذا العام لا يحتمل التوازن:
إما سياسة تواجه نفسها بجرأة، أو استمرار في إدارة الخراب ببدلات رسمية وخطابات منمّقة. إما كسر حقيقي للمنظومات التي أوصلت الدول إلى هنا، أو قبول صريح بالعيش في دول فاشلة تُدار باسم الشرعية.
في 2025، لم يعد السؤال: إلى أين نذهب؟
السؤال الحقيقي هو: كم من الوقت سنكذب فيه على أنفسنا قبل الاعتراف بأن ما نعيشه ليس قدرًا… بل خيار سياسي؟