نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"الريجي" في عيدها الـ90: الأولى بين مؤسسات الدولة في رفد الخزينة - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 19 ديسمبر 2025 07:55 مساءً
تحوّلت الذكرى التسعين لتأسيس إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية "الريجي" إلى محطة وطنية بامتياز، حملت أبعاداً تتجاوز الاحتفال الزمني إلى قراءة معمّقة في تجربة مؤسسة عامة استطاعت أن تصمد وتنتج وتربح، فيما كانت مؤسسات الدولة تتهاوى تحت وطأة الأزمات. إطلاق الكتاب التوثيقي "تسعون" جاء تأكيداً على أن بناء مؤسسات فاعلة ليس ترفاً في زمن الانهيارات، بل خياراً استراتيجياً لحماية الاقتصاد وتعزيز السيادة وترسيخ الثقة بالدولة. ومن خلال هذا الحدث، أعادت "الريجي" تثبيت موقعها كنموذج ناجح للشراكة بين الإدارة الرشيدة والبعد الاجتماعي، ورسالة واضحة بأن رهان لبنان الحقيقي يبقى على تماسك مؤسساته وقدرتها على الاستمرار رغم المخاطر.
أقيم الاحتفال في "سي سايد بافيليون" في بيروت برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلاً بوزير المالية ياسين جابر، ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام ممثلا بوزير الزراعة نزار هاني، وحضر أيضا عدد من الوزراء والنواب والسفراء والمديرين العامين والمسؤولين القضائيين وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية والجمركية والنقباء ورؤساء الاتحادات والجمعيات ورؤساء البلديات، إضافة إلى أعضاء لجنة إدارة "الريجي" وممثلي سلطة الوصاية وموظفين وممثلي الشركات التبغية ورؤساء البيع وشركات القطاع الخاص. وقد وصف الوزير جابر «الريجي» بأنها واحدة من أهم المؤسسات الوطنية، مؤكداً أنها الأولى بين مؤسسات الدولة في رفد الخزينة بالإيرادات، وداعياً اللبنانيين إلى التوحد حول درء المخاطر عن بلدهم وجعل رهانهم على التماسك الوطني.
في كلمته، اعتبر رئيس "الريجي" ناصيف سقلاوي أن إحياء الذكرى التسعين وإطلاق الكتاب هو "احتفاء بمسيرة مؤسساتية راسخة في خدمة لبنان واقتصاده"، مشدداً على أن المؤسسة لا تحتفل فيما الوطن ينزف، بل لأنها تملك قصة نجاح تستحق أن تُروى. وذكّر بأن "الريجي" تأسست عام 1935 في زمن الانتداب، ونمت مع الاستقلال، وواجهت كما لبنان مراحل الحرب والانهيار والنهوض، لكنها بقيت مرفقاً عاماً صامداً حين انهارت مرافق أخرى.

وسلّط سقلاوي الضوء على البعد الزراعي للمؤسسة، معتبراً أن أول إنجازاتها كان إعادة توزيع الرخص الزراعية بعدالة، ما أتاح اليوم لنحو 25 ألف عائلة لبنانية العيش بكرامة من زراعة التبغ. وأكد أن نجاح هذا المسار قام على شراكة وثيقة مع المزارعين ونقاباتهم، وعلى دعم وطني ثابت، مشيراً إلى الدور المحوري للرئيس نبيه بري في حماية زراعة التبغ والمؤسسة، وإلى التوافق الذي أُنجز مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري لضمان الأسعار المدعومة واستمرارية هذا القطاع.
وعلى المستوى الصناعي، أوضح سقلاوي أن "الريجي" انتقلت منذ عام 1993 من خط إنتاج واحد وصنف وطني واحد إلى 15 خط إنتاج بقدرة ثلاثة ملايين سيجارة في الساعة، وتصنيع أكثر من 60 صنفاً وطنياً وأجنبياً، إضافة إلى تحويل مصنع البترون إلى أكبر مصنع معسّل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أشار إلى بناء ثقة متينة مع شركات التبغ العالمية، توّجت باتفاقيات تصنيع ونيل شهادات جودة دولية، ما حوّل "الريجي" إلى مركز إقليمي لتصنيع التبوغ.
وفي موازاة التوسع الإنتاجي، شدد على دور المؤسسة في مكافحة التهريب عبر سياسة تسعير منافسة وجهاز متخصص يعمل بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، محققاً إنجازات ملموسة. وأكد أن "الريجي" تمكنت من تجاوز الأزمات الاقتصادية وحققت إيرادات صافية لخزينة الدولة تجاوزت 3 مليارات دولار بين عامي 2015 و2024، منها 402 مليون دولار في 2024، مع توقع بلوغ نحو 500 مليون دولار في 2025، أي بزيادة تقارب 20% عن العام المنصرم.
واعتبر سقلاوي أن هذه النتائج تعكس نموذج إدارة مختلفاً في القطاع العام، قائم على الاستثمار في الإنسان، وترشيق الهيكلية، والشراكة مع القطاع الخاص، والتكامل مع نقابة العمال. كما أبرز الدور الاجتماعي للمؤسسة من خلال تنفيذ 246 مشروعاً إنمائياً في القرى التبغية، ودعم المؤسسات العسكرية، وتقديم مساعدات في إطار المسؤولية المجتمعية بلغت نحو 20 مليون دولار.
وفي البعد الرمزي، أكد أن كتاب "تسعون" هو كتاب ذاكرة ووفاء، يوثق مسيرة المؤسسة منذ تأسيسها حتى اليوم، ثمرة جهد استمر ثلاث سنوات، ليكون مرجعاً للأجيال المقبلة. وختم بإهداء إنجازات "الريجي" إلى شهداء مزارعي التبغ الذين سقطوا خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، تأكيداً على ارتباط الأرض بالسيادة.
من جهته، أكد الوزير ياسين جابر في كلمته أن "الريجي" مثال لمؤسسة عامة ناجحة لا تشكل عبئاً على الخزينة بل رافعة لها، وأنها تجمع بين الإنتاج والصمود والتنمية.
تجربة الريجي ُيسجل لها انها "انتقلت مع عدد من المزارعين والإداريين المحدودي العدد وبعض الآلات التقليدية، إلى واحدة من أهم المؤسسات الوطنية، التي تجمع تحت جناحيها مزارعين صامدين في أرضهم عند تخوم الوطن، في الجنوب وبعض مناطق البقاع والشمال، كما تجمع زنوداً صناعية وطاقات علمية ابتكارية، وكفاءات إدارية انصهرت جميعها في دورة إنتاج زراعية وصناعية وتجارية وتنموية وربحية، موفّرة فرص عمل لمئات العاملين المكافحين، والمختصين المبدعين، وهي الأولى بين مؤسسات الدولة في رفد الخزينة العامة بإيرادات، تُحتسب في دفاترها المحاسبية، على انها مورد وازن من مؤسسة ناجحة، لا عبئاً من مؤسسة تستنزف الخزينة خسائر، وإن سُميّت سلفات حين ينعدم الأمل باسترجاعها".
ودعا إلى استلهام ذاكرتها في هذه المرحلة الدقيقة، معتبراً أن الذاكرة الوطنية رهان لحماية الهوية والسيادة، وأن تماسك اللبنانيين هو السبيل لتحقيق الاستقرار.
واختُتم الاحتفال بتكريم الوزير جابر وتقديم نسخة من الكتاب، فيما أوضحت مديرة المشروع مريم حريري أن العمل على الكتاب استند إلى آلاف الوثائق والصور ومئات المراجع، مؤكدة أن "الريجي" ليست مجرد مؤسسة عامة، بل جزء من تاريخ لبنان الحديث وتجربة دولة تستحق التوثيق والحفظ.