نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مصر تستحضر تراث "الإمام الليث"… مواجهة للفكر المتشدد بفقه التعايش - وضوح نيوز, اليوم السبت 20 ديسمبر 2025 07:05 صباحاً
أعلنت الهيئة الوطنية للإعلام في مصر، في الأيام الماضية، أن "إذاعة القرآن الكريم" تعمل بالتعاون مع وزارة الأوقاف وباحثين مختصين على إطلاق "مسند الإمام الليث"، في إشارة إلى الإمام الليث بن سعد، أحد أهم الفقهاء والمحدّثين في التاريخ الإسلامي، وصاحب واحد من المذاهب غير المدوّنة.
وحظي الخبر باهتمام وتفاعل واسع في وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، كما تصدّر وسم باسم المسند موقع "إكس".
وقال رئيس الهيئة الإعلامي أحمد المسلماني خلال إعلانه عن المشروع: "لقد حان الوقت لجمع أحاديث إمام أهل مصر في كتاب واحد"، مستشهداً بقول الإمام الشافعي: "الليث أفقه من مالك، لولا أن أهله ضيّعوه".
ويُعدّ المشروع الجديد حدثاً استثنائياً، إذ إنها المرة الأولى التي يتم فيها جمع الأحاديث التي رواها الفقيه الذي وُلد عام 94 هجرية بمحافظة القليوبية (26 كيلومتراً شمال القاهرة)، وتوفي ودُفن في العاصمة المصرية عام 179 هجرية.
وقد لقّبه أهل عصره بـ"شيخ الإسلام"، برغم أنه عاش في فترة محورية تشكّلت فيها معالم الفقه وعلوم الدين الإسلامي، وعاصر أئمة المذاهب الأربعة الكبرى والأكثر تأثيراً في حياة المسلمين حتى يومنا هذا. وهم: أبو حنيفة النعمان (80–150هـ)، ومالك بن أنس (93–179هـ)، ومحمد بن إدريس الشافعي (150–204هـ)، وأحمد بن حنبل (164–241هـ).
المدرسة المصرية
يقول المدير العام السابق لإذاعة القرآن الكريم الإعلامي سعد المطعني، لـ"النهار"، إن "الإعلان عن جمع مسند الإمام الليث خبر سار وخطوة مهمة، في مسار يدعمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ليس على المستوى الديني فحسب، بل في شتى المجالات".
ويرى المطعني الذي يشغل حالياً منصب مدير المكتب الإعلامي للمنظمة العالمية لخريجي الأزهر، أن "هذا المشروع يعزّز حضور المدرسة المصرية العريقة في الفقه الإسلامي، وهي مدرسة لها تأثير واسع في شتى أرجاء العالم، ممثلة في الأزهر الشريف الذي يُعدّ حصن الوسطية الإسلامية داخلياً وخارجياً".
ويضيف: "تشكّل مساهمة إذاعة القرآن الكريم في هذا العمل العظيم نقطة محورية، لأنها إحدى أهم دعائم الأمن الفكري لمصر؛ فهي إذاعة تحلّق في السماء عالياً بجناحي الأزهر الشريف وعلمائه الكبار الذين لعبوا أدواراً بالغة التأثير في وجدان كل مسلم، ويحظون بتقدير في كل مكان تطأه أقدامهم في المعمورة".
ويشير الإعلامي القدير إلى أن "البدء في جمع تراث واحد من أهم الفقهاء الذين عاشوا وفهموا طبيعة مصر وأهلها عمل سيكون له تأثير إيجابي، خاصة أن هذا البلد بطبيعته يتميّز بقبول التعدّد، ويأخذ ما يناسبه من كل مذهب، ويرفض ما هو غريب عنه من الأفكار المتشددة، وحتى إن بقيت تلك الأفكار لفترة، فإنها تبدو كفقاعة عابرة في الزمن. ومن أهم أسباب ذلك أن الأزهر لا يدرّس المذاهب الأربعة الكبرى فقط، بل يدرّس ثمانية مذاهب، لتوسيع مدارك وأفق تفكير طلابه وخريجيه، وتحصينهم من التشدد".
وعن أثر الإمام الليث، يقول المطعني: "برغم أن تلامذته لم يدوّنوا آراءه الفقهية نصياً، فإن أثره ظل باقياً في وجدان المصريين من خلال ممارساته التي تعلموا منها وتناقلوها جيلاً بعد جيل".
" title="YouTube video player" frameborder="0"> 
فقه التعايش
من جانبه، يقول الباحث الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع الديني الدكتور عمرو عبد المنعم، لـ"النهار"، إن "جمع مسند الإمام الليث سيكون له تأثير في مكافحة وتفنيد الفكر المتشدد الذي استشرى في أوساط بعض القطاعات خلال العقود الأخيرة، لكنه وحده ليس كافياً لتحقيق ذلك".
ويضيف عبد المنعم: "يجب أن يأتي ذلك في إطار خطة شاملة، تتضمن - إلى جانب التركيز على ما قدّمه فقهاء فهموا طبيعة هذا البلد وثقافته النهرية - التركيز على رموز وقمم الفن والثقافة من المصريين، وكذلك مختلف المجالات التي تؤثر في وعي المواطنين".
ويشير الباحث إلى أن "فهم الفقيه للمتغيرات الزمنية والبيئة التي يقدّم فيها فتاواه وآراءه يُعدّ أمراً ضرورياً، وقد غيّر كبار الأئمة فتاواهم بحسب الزمان والمكان؛ فما قدّمه الإمام الشافعي، على سبيل المثال، في العراق، غيّره عندما قدم إلى مصر".
ويلفت عبد المنعم إلى أن "الإمام الليث كان شخصية محبوبة للغاية بين شعبه، وقد تعلموا من أفعاله، وبقيت سيرته العملية متواترة بينهم، حتى وإن لم تُدوّن نصوصها، لكن من دون شك فإن جمع ما حُفظ منها سيكون له أثر عميق". كما ثمّن الباحث خطوة إنشاء دار الإفتاء "مركز الإمام الليث بن سعد لفقه التعايش"، واعتبرها عملاً يستحق التقدير، لأنه "يساعد في مواجهة التطرف".
"الصحيح المصري"
ويأتي إطلاق مشروع مسند الإمام في سياق اهتمام لافت باسم الإمام الليث بن سعد تجلّى في الآونة الأخيرة، من خلال إطلاق اسمه على مسجد مبنى "ماسبيرو" الذي يضم مقر الهيئة الوطنية للإعلام، وكذلك "مركز الإمام الليث بن سعد لفقه التعايش" التابع لدار الإفتاء، والذي يهدف إلى نشر أعماله وتنظيم ندوات تناقش أفكاره ومنهجه.
كذلك، بدأ بعض الباحثين المهتمين بالتراث الإسلامي في الكتابة والحديث عنه، ومن أحدث تلك الإصدارات كتاب "فقه الليث بن سعد إمام المصريين"، من تأليف الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية والتراث الفقهي حسام الحداد.
وأطلقت بعض وسائل الإعلام المحلية على المسند الجديد وصف "الصحيح المصري"، في إشارة إلى أهميته ومكانته الكبيرة، وتشبيهاً له بأبرز مصدرين للحديث النبوي، وهما "صحيح البخاري" الذي يوصف بأنه "أصح كتاب بعد كتاب الله (القرآن)"، و"صحيح مسلم" الذي يأتي في الترتيب بعده.