المبعوث الأميركي بين مصر وقطر: مفاتيح المرحلة القادمة في غزة -!! - وضوح نيوز

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المبعوث الأميركي بين مصر وقطر: مفاتيح المرحلة القادمة في غزة -!! - وضوح نيوز, اليوم الأحد 21 ديسمبر 2025 07:00 صباحاً

زيارة المبعوث الأميركي للمنطقة، وغزة بين زمن النار وزمن الترتيب

لم تكن زيارة المبعوث الأميركي، التي تبدأ يوم الجمعة وتشمل لقاءات مع مسؤولين من مصر وقطر، حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل إشارة سياسية كثيفة الدلالة، تكشف أن ملف غزة لم يعد يُدار بمنطق الطوارئ وحده، بل بمنطق إعادة الترتيب الشامل. فحين ينتقل النقاش من حدود الإقليم إلى الطاولة الأميركية، فهذا يعني أن الصراع بلغ لحظة فاصلة، يُعاد فيها تعريف الوقف، لا لإطلاق النار فقط، بل لمسار الزمن السياسي بأكمله.

جاءت الزيارة محمَّلة بأسئلة أكثر مما جاءت بإجابات: إلى أين يتجه الاتفاق؟ ومن يملك مفاتيح المرحلة التالية؟ وهل نحن أمام سلام حقيقي يعالج جذور الأزمة، أم أمام إدارة محسوبة للاشتباك تُبقي النار تحت الرماد وتؤجل الانفجار؟

في لحظات التحول الكبرى، لا تُحسم الحروب في ميادين القتال وحدها، بل في الغرف المغلقة، حيث تُقاس الكلمات بميزان النار، وتُرسم الخرائط ببرود العقول لا بحرارة الدم. وما يجري اليوم حول غزة ليس مجرد حراك دبلوماسي، بل محاولة لإدارة الزمن ذاته: زمن الحرب وزمن ما بعدها، في منطقة اعتادت العيش على حافة الاشتعال الدائم.

تتحرك القوى الدولية، ومعها أطراف إقليمية وازنة، في محاولة لانتزاع الصراع من حالة الجمود القاتل. فالواقع الراهن يخدم استمرار التوتر أكثر مما يخدم السلام، ويمنح كل طرف مبرراته للبقاء في منطقة رمادية: لا حرب شاملة تُحسم، ولا تسوية عادلة تُنجز. هذا «الاستقرار الهش» هو أخطر أشكال الفوضى، لأنه يطيل أمد المعاناة، ويحوّل الدم إلى تفصيل عابر في تقارير سياسية باردة.

غزة اليوم ليست مجرد ساحة مواجهة، بل حالة فلسفية تختبر معنى القوة وحدودها. فالقوة العسكرية، حين تعجز عن فرض نهاية، تتحول إلى عبء، وحين تفشل السياسة في تقديم أفق واضح، تصبح إدارة الأزمة بديلاً عن حلّها. هنا تتداخل الحسابات: من يستفيد من إبطاء التنفيذ؟ ومن يخشى الانتقال إلى مرحلة جديدة قد تفرض تنازلات مؤلمة وتعيد توزيع الأدوار؟

المرحلة التالية من أي اتفاق لا تتعلق بوقف النار وحده، بل بإعادة تعريف السلطة، والسلاح، والمعابر، وشكل الحكم. إنها أسئلة وجودية لكل الأطراف، ولهذا يفضّل كثيرون تأجيلها بدل مواجهتها، وكأن تأجيل الحقيقة يمنحهم وقتًا إضافيًا للهروب من استحقاقها.

في قلب هذا المشهد المعقّد، تبرز مصر لا كوسيط تقليدي، بل كركيزة توازن وضمير سياسي للإقليم. فالجغرافيا منحتها مفاتيح المعابر، والتاريخ منحها شرعية الدور، والعقل السياسي منحها القدرة على الربط بين متطلبات الأمن وضرورات الإنسان. تدرك مصر أن غزة ليست ملفًا خارجيًا معزولًا، بل امتداد مباشر لأمنها القومي، وأن أي انفجار غير محسوب لن يبقى محصورًا خلف الأسلاك، بل سيرتد على المنطقة بأكملها.

الدور المصري يتجاوز نقل الرسائل واحتواء اللحظة، إنه سعي لإعادة الصراع إلى مساره العقلاني: فتح المعابر بوصفه فعلًا سياديًا وإنسانيًا، وضبط الإيقاع الأمني دون استعراض للقوة، والدفع نحو صيغة حكم مدنية تكنوقراطية تقلّل من منطق السلاح، وتعيد الاعتبار لإدارة الحياة اليومية. مصر هنا لا تراهن على الشعارات، بل على التدرّج، وعلى تحويل الاتفاق من نص سياسي هش إلى واقع قابل للاستمرار.

أما الحديث المتزايد عن قوى استقرار، ومجالس سلام، وترتيبات انتقالية، فيكشف عن تصور جديد للصراع: سلام مُدار، لا سلام مكتمل. سلام هدفه الأول منع الانفجار، لا معالجة الجذور العميقة للأزمة. ورغم هشاشته، قد يكون هذا الشكل هو الجسر الوحيد المتاح لعبور المرحلة الراهنة دون الانزلاق إلى حرب أوسع.

المفارقة أن بعض الأطراف ترى في هذا السلام المؤقت تهديدًا لمكاسبها، بينما تراه أطراف أخرى فرصة لإعادة التموضع وتثبيت النفوذ. وبين هذا وذاك، يبقى إنسان غزة عالقًا بين انتظار هدنة قد تطول، وخوف دائم من عودة النار في أي لحظة.

ما يجري اليوم حول غزة ليس نهاية للصراع، بل إعادة ضبط له. ومصر، بثقلها التاريخي وخبرتها السياسية، تحاول أن يكون هذا الضبط مدخلًا لاستقرار أوسع، لا مجرد هدنة تؤجّل الانفجار. فالتاريخ علّمنا أن الصراعات التي تُدار دون رؤية تعود دائمًا بأشكال أكثر قسوة، أما تلك التي تُدار بعقل الدولة، فقد تفتح — ولو ببطء — نافذة نحو مستقبل أقل دموية وأكثر إنسانية.. .!!

--محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية، !!