قراءة جيوسياسية في خطاب السيسي بعد تشغيل سد النهضة، ، !! - وضوح نيوز

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قراءة جيوسياسية في خطاب السيسي بعد تشغيل سد النهضة، ، !! - وضوح نيوز, اليوم الأحد 21 ديسمبر 2025 07:00 صباحاً

الرئيسية مـقـالات مـقـالات الأحد, 21 ديسمبر, 2025 - 6:15 ص
قراءة جيوسياسية في خطاب السيسي بعد تشغيل سد النهضة، ، !!

محمد سعد عبد اللطيف

بقلم - محمد سعد عبد اللطيف

يكتسب خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعدًا استراتيجيًا واضحًا ودقيقًا. فقد جاء الخطاب ليؤكد أن مصر لا تسعى إلى التصعيد العسكري أو الانخراط في أي صراع مفتوح، بل تركز على حماية حقوقها المائية الأساسية عبر التوصل إلى اتفاق قانوني وملزم مع إثيوبيا، وهو المطلب المصري الوحيد الذي كرره السيسي في أكثر من مناسبة. هذا الموقف يعكس استراتيجية مصرية متأنية تجمع بين الدفاع عن الأمن القومي المائي والحفاظ على استقرار العلاقات مع الدول الإفريقية، في ظل مشهد إقليمي معقد يضم مصالح متشابكة وتفاعلات متعددة اللاعبين.

تحليل الخطاب يظهر عدة مستويات جيوسياسية مهمة. أولًا، يؤكد السيسي أن إدارة الموارد المائية العابرة للحدود يجب أن تتم عبر الحوار والتعاون، بعيدًا عن الإجراءات الأحادية التي قد تضر بالدول المتشاطئة. هذه الرسالة تتجاوز السياسة المائية لتضع مصر في موقف قوة قانونية ودبلوماسية، تؤكد قدرتها على الدفاع عن مصالحها الحيوية دون الانجرار إلى مواجهة مسلحة مباشرة، ما يعكس نضجًا في التعامل مع الأزمات الإقليمية الكبرى.

ثانيًا، يعكس الخطاب الرؤية المصرية لإفريقيا كشريك استراتيجي طويل المدى. فالإشارة إلى وفرة الموارد الطبيعية والبشرية في القارة، وإمكانية إدارتها بكفاءة، تأتي ضمن استراتيجية أوسع لتعزيز النفوذ المصري من خلال التنمية المشتركة، والمشاريع الاقتصادية الكبرى التي تشمل الطاقة والزراعة والتجارة البينية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. هذا التوجه يعزز مكانة مصر ليس فقط كطرف يراقب التوازنات المائية، بل كعنصر فاعل في بناء اقتصاد إفريقي متكامل ومستدام.

ثالثًا، يُظهر الخطاب إدراكًا عميقًا للتحديات الإفريقية المزدوجة: من جهة وفرة الموارد الطبيعية والمائية، ومن جهة أخرى غياب الاستقرار الأمني والسياسي الذي يعيق التنمية وجذب الاستثمارات. وهنا تتضح استراتيجية مصر في ربط الأمن المائي بمشروعات التنمية الاقتصادية والسياسية، مع التأكيد على أن الحلول الدائمة تتطلب تعاونًا إقليميًا وعالميًا، وليس مجرد قرارات أحادية الجانب.

ومع تشغيل السد الآن، يزداد دور الدبلوماسية المصرية في مراقبة التداعيات العملية للسد على حصة مصر المائية، بما يشمل الأخطار الناتجة عن الفيضانات التي غمرت مؤخرًا بعض أراضي السودان وأجزاء من الأراضي المصرية، ما يبرز أهمية وجود آليات مشتركة لإدارة تدفقات المياه وحماية المواطنين والبنية التحتية. الخطاب السيسي يؤكد أن مصر ستظل متمسكة بالحوار والقانون الدولي كإطار لحماية مصالحها، مع إبراز الدور المصري المركزي في الشراكة الإفريقية والتنمية المشتركة، وهو ما يعكس مزيجًا من الحزم الواقعي والتخطيط الاستراتيجي طويل المدى.

باختصار، قراءة خطاب السيسي في هذا التوقيت تظهر أن مصر لا تنظر إلى سد النهضة بوصفه تهديدًا فقط، بل كفرصة لإعادة صياغة قواعد التعاون الإقليمي على أساس المنفعة المشتركة والاحترام القانوني، مع تعزيز قدرة مصر على التأثير في توازنات القوة في حوض النيل وفي المشهد الإفريقي ككل. الموقف المصري يجمع بين الواقعية والحزم والاستراتيجية الطويلة المدى، ويؤكد دور الدولة كحلقة وصل للتنمية والاستقرار في القارة.. .!!

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية، ، !!

nabd.png