الأعلى منذ 1995.. بنك اليابان يرفع الفائدة إلى 0.75%: إجماع نادر يوقظ العوائد ويترك الين متردداً - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأعلى منذ 1995.. بنك اليابان يرفع الفائدة إلى 0.75%: إجماع نادر يوقظ العوائد ويترك الين متردداً - وضوح نيوز, اليوم الأحد 21 ديسمبر 2025 07:05 صباحاً

في صباح الجمعة، لم يحتج بنك اليابان إلى جمل كثيرة كي يقول ما يريد. رفع الفائدة 25 نقطة أساس إلى 0.75%، ثم أشار إلى أن الزيادات قد تستمر إذا تحقق مسار التوقعات. السوق قرأت الإشارة بطريقتين في وقت واحد؛ السندات اندفعت بعوائدها فوق 2% لعشر سنوات إلى أعلى مستوى منذ 1999، بينما تراجع الين إلى ما بعد الـ 156.80 للدولار، كأن الرسالة لم تكن ناقصة قراراً… بل منقوصة خريطة طريق.

ربع نقطة تعيد اليابان إلى 1995… وتفتح سؤال 2026

الرقم يبدو صغيراً على الورق، لكنه ثقيل في ذاكرة اليابان. 0.75% هي أعلى فائدة منذ 1995، والأهم أنها جاءت بقرارٍ إجماعي، في أول رفع موحد تحت قيادة كازوو أويدا. هذا التفصيل ليس هامشياً، لأن الأسواق كانت تراقب في الاجتماعين السابقين علامات تباين داخل المجلس. أما اليوم فالصورة خرجت متماسكة. البنك يرى أن احتمالات تحقق توقعاته الاقتصادية ارتفعت، وأن التضخم الأساسي يواصل الصعود بشكل معتدل، وبالتالي فإن التطبيع لم يعد فكرة نظرية بل مساراً متدرجاً...

 

لكن أويدا، وهو يختار مفرداته بعناية، لم يحوّل الاجتماع إلى وعدٍ زمني. قال إن كل اجتماع سيحمل قراره الخاص، وإن سرعة التحرك ستعتمد على حالة الاقتصاد والأسعار. في بنكٍ بنى صدقيّته على الحذر لا على المفاجآت، تبدو هذه اللغة مألوفة، لكنها في سوقٍ تبحث عن اليقين تعني شيئاً واحداً: الباب مفتوح، لكن اتجاه الفائدة سيُقاس خطوةً خطوة.

 

الين يختار الهبوط: حين لا تكفي خطوة واحدة

المفارقة ظهرت سريعاً. بعد حديث أويدا، ضعف الين إلى ما بعد 156.80 للدولار، وهو رد فعل يُظهر أن المتعاملين لم يكونوا ينتظرون قرار الرفع بقدر ما كانوا ينتظرون نبرة أوضح حول ما بعده. البنك قال إن الفائدة لا تزال عند مستويات منخفضة للغاية، وهذه عبارة تحمل في داخلها تبريراً لزيادات أخرى، لكنها لا تحدد متى ولا كم.

حتى تقلص الفجوة مع الولايات المتحدة بنحو 125 نقطة أساس خلال 2025 لم ينجح في قلب اتجاه الين. الصورة أعمق من رقم الفائدة، لأن اليابان ما زالت في عائدٍ منخفض قياساً إلى عالمٍ أعلى تكلفة، ولأن الأسواق لا تتاجر بالحاضر فقط بل بالمسار المتوقع. عندما يبقى المسار قابلاً للتأويل، يصبح الين سريع التأثر بأي قراءة تُشير إلى أن التشديد سيكون أبطأ مما كانت شاشات التداول تتمنى.

عائد 10 سنوات فوق 2%: السندات تقول إن اللعبة تغيّرت

إذا كان الين طلب مزيداً من الوضوح، فإن سوق السندات تصرفت كأن الوضوح كافٍ. ارتفاع عائد السندات الحكومية لأجل 10 سنوات فوق 2% إلى أعلى مستوى منذ 1999 ليس حركة يومية عابرة، بل إشارة إلى أن تكلفة رأس المال اليابانية تدخل مرحلة جديدة. اليابان لم تكن مجرد دولة ذات فائدة متدنية، بل كانت مصدراً تاريخياً لتمويل رخيص وداعمًا لتجارة الفوارق في العائد عالميًّا، وعندما ترتفع عوائدها الطويلة، تتغير الحسابات من المحافظ المحلية إلى التدفقات العابرة للحدود.

في هذه الخلفية، بدا صعود نيكي بنحو 1%، قبل اكتمال تفاصيل المؤتمر الصحافي، كقراءة أولية تقول إن السوق ترى التطبيع منظماً لا صادماً. لكن العوائد حين تتحرك تفرض قواعدها لاحقاً: ارتفاع منضبط يعني إعادة تسعير بطيئة، وارتفاع حاد يعني تشدداً مالياً قد ينعكس على الائتمان والإنفاق وهوامش الشركات.

 

 

بنك اليابان (وكالات)

بنك اليابان (وكالات)

 

 

التضخم 3% و44 شهرًا فوق الهدف: لماذا يتحرك أويدا الآن؟

السبب الأوضح لثقة البنك ليس سياسياً بقدر ما هو رقمي. مقياس رئيسي لأسعار المستهلكين سجل 3% في تشرين الثاني/نوفمبر، ممدداً السلسلة 44 شهراً عند أو فوق هدف 2%. هذه الاستمرارية هي ما يجعل بنك اليابان يتحدث عن تضخم يتجذر تدريجياً، لا عن موجة عابرة. حتى بعد الرفع، تبقى الفائدة الاسمية دون مستوى التضخم، ما يعني أن السياسة لم تتحول إلى تقييد صريح بعد، لكنها تتحرك بعيدًا عن الاستثناء القديم.

هنا يدخل عنصر الأجور كقطعة أساسية في الصورة. النقابات العمالية تستعدّ لمفاوضات الزيادات السنوية بأهداف قريبة من العام الماضي، الذي انتهى بمكاسب تاريخية. وإذا استمر زخم الأجور، فسيصبح تضخم اليابان أقلّ اعتماداً على الصرف والواردات وأكثر ارتباطًا بديناميكيات داخلية، وهو بالضبط ما يحتاجه البنك كي يواصل التطبيع من دون أن يبدو كمن يقاتل أرقاماً متقلبة.

المعدل الحيادي بين 1% و2.5%: مساحة للرفع… ومساحة للحيرة

السوق كانت تريد من أويدا إجابة عن محطة التوقف، فجاءت الإجابة على شكل نطاق واسع. البنك يقدّر المعدل الحيادي ضمن 1% إلى 2.5%، مع اعتراف بأن تحديده بدقة ليس سهلاً. هذه الجملة وحدها تُبقي النقاش مفتوحاً: إذا كان الحد الأدنى 1%، فالمسافة من 0.75% قصيرة، وتوحي بأن رفعاً إضافياً ليس بعيداً. وإذا كان النطاق يميل إلى الأعلى، فهذا يترك الباب لدورة أطول مما اعتادت اليابان منذ التسعينيات.

بل إن داخل المجلس نفسه ظهرت حساسية في توصيف مسار الأسعار، إذ اعترض عضوان من الأكثر تشدداً على اللغة المتعلقة بتوقيت اتساق التضخم مع الهدف، معتبرين أنه قد يتحقق أبكر مما يوحي به البيان. هذه التفاصيل لا تغيّر قرار اليوم، لكنها تضيف طبقة ضغط على اجتماعات 2026: التوازن بين من يريد تسريع الخطى ومن يخشى كلفة التسرع.

 

 

السياسة في الخلفية: كلفة الين الضعيف أعلى من كلفة الرفع

حتى السياسة كانت حاضرة من دون أن تكتب اسمها في القرار. منذ تولّي ساناي تاكايتشي رئاسة الحكومة في تشرين الأول/ أكتوبر، ظهرت تساؤلات حول هامش المناورة أمام أويدا. لكن استمرار التضخم وضعف الين يرفعان كلفة الاعتراض على التشديد. عملة أضعف تعني ضغطاً على الأسعار عبر الواردات، وضغط الأسعار يعني حساسية اجتماعية وانتخابية لا يمكن تجاهلها. لذلك شدّد البنك على أن الأوضاع النقدية الميسرة ستستمر في دعم الاقتصاد، وكأنه يضع جملة طمأنة للحكومة أمام جملة تشديد للأسواق.

 

 

اليابان استثناء بين الكبار: حين يخفض الفيديرالي وترفع طوكيو

القرار يضع اليابان في موقعٍ فريد بين البنوك المركزية الكبرى. الاحتياطي الفيديرالي خفض الفائدة ثلاث مرات هذا العام، فيما بنك اليابان يرفع. حتى بعد رفع اليوم، تبقى اليابان أقل تكلفةً بكثير من نظرائها. لكن الاتجاه وحده يكفي لتغيير أجزاء من سلوك المستثمرين، خصوصاً مع ارتفاع العوائد الطويلة. ومع ذلك، فإن استمرار ضعف الين يذكّر بأن التقارب في الفائدة لا يعني بالضرورة تقارباً في العملة، طالما أن فارق العائد لا يزال كبيراً، وطالما أن السوق لم تحصل على وتيرة واضحة للمرحلة المقبلة.

بعد اجتماع الجمعة، لم يعد السؤال هل سيرفع بنك اليابان مجدداً، بل متى وبأيّ إيقاع؟ بين 0.75% ونطاق 1% إلى 2.5% الذي يراه البنك للمعدل الحيادي، سيبقى الين والعوائد جهاز القياس الحقيقي. وفي كل ذلك، يعود سؤال واحد إلى الواجهة بهدوء: إذا كان التضخم يثبت أقدامه، فهل يسمح الاقتصاد الياباني بتشديد أسرع… أم أن الين سيظل يختبر صبر طوكيو عند كل محطة، ويعكس مرآة تدخل حكومي جديد لحماية العملة المحلية؟

 

** رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة إكويتي