من قاعة المؤتمر إلى ذاكرة الوطن.. كيف صنعت مصر نموذجًا عالميًا لمواجهة الإرهاب؟ - وضوح نيوز

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من قاعة المؤتمر إلى ذاكرة الوطن.. كيف صنعت مصر نموذجًا عالميًا لمواجهة الإرهاب؟ - وضوح نيوز, اليوم الأحد 21 ديسمبر 2025 04:40 مساءً

لم تكن مشاركتي في تغطية المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى الشراكة الروسية - الإفريقية بالقاهرة مجرد مهمة صحفية اعتيادية، بل تجربة سياسية وإنسانية عميقة، وضعتني وجهًا لوجه أمام أسئلة كبرى تتعلق بدور الدول، ومسؤولية القيادات، وكيف يمكن لأمة أن تنهض من قلب الفوضى لتتحول إلى نموذج يُحتذى به عالميًا.

المؤتمر، الذي استضافته القاهرة أمس بحضور وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرجي لافروف، ومشاركة رفيعة المستوى من نحو 50 دولة إفريقية، لم يكن حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل منصة حقيقية لإعادة صياغة ملامح الشراكات الدولية، خاصة في ملفات الأمن، والتنمية، ومواجهة التحديات العابرة للحدود.

ناقش المشاركون سبل تعزيز التعاون الاقتصادي، واحترام سيادة الدول، وإصلاح منظومة التمويل الدولي، وتمكين أفريقيا من الاستفادة العادلة من التكنولوجيا والموارد، في مشهد عكس بوضوح ثقل مصر الإقليمي، ودورها كجسر تواصل بين القوى الدولية والقارة الأفريقية.

بين كلمات القاعة… وذاكرة الوطن أكتب بفخر اليوم

وأنا جالسة في قاعة المؤتمر، أتابع الكلمات والحوارات، وجدت ذهني يعود بي سنوات إلى الوراء… إلى مصر أخرى، عاشت لحظات فارقة بعد سقوط حكم جماعة الإخوان الإرهابية، حين غرقت الشوارع في العنف، وتلطخت الأرصفة بالدماء، واهتزت مؤسسات الدولة تحت ضربات الإرهاب الأسود.

تذكرت كيف كانت مصر هدفًا لمخطط ممنهج، أراد تحويلها إلى دولة فاشلة، بلا هوية، بلا جيش، وبلا مستقبل. اغتيالات، تفجيرات، استهداف للكنائس والمساجد، ومحاولات مستمرة لكسر إرادة شعب بأكمله.

ومن هذا المشهد القاتم، برز لي سؤال جوهري: كيف انتقلت مصر من حافة الانهيار إلى قلب الاستقرار؟

الإجابة بدأت منذ اللحظة التي تولّى فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم، حين أدركت الدولة أن مواجهة الإرهاب لا يمكن أن تُدار بردود أفعال، بل برؤية استراتيجية شاملة تعيد بناء الإنسان، وتحمي الوطن، وتفكك الفكر المتطرف من جذوره.

لقاء على هامش الحدث… وسؤال من قلب التجربة

وعلى هامش فعاليات المنتدى، تشرفت بطرح هذا السؤال على وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي، وسألته سؤالا لتحيا مصر عن الكيفية التي نجحت بها مصر في التحول من ساحة مستهدفة بالإرهاب إلى نموذج عالمي يُدرَّس ويُحتذى به.

جاءت إجابته كاشفة وعميقة، تعكس فلسفة دولة لا تكتفي بالدفاع عن نفسها، بل تتحمل مسؤوليتها تجاه العالم.

أكد وزير الخارجية أن مصر لم تخض معركتها ضد الإرهاب دفاعًا عن أمنها القومي فقط، بل كانت ولا تزال خط (الدفاع الأول) عن العالم في مواجهة أخطر موجات التطرف العنيف التي شهدها العصر الحديث.

وأوضح من خلال تصريحه الهام العميق أن ما تحقق لم يكن مصادفة، بل نتاج رؤية استراتيجية متكاملة قادتها القيادة السياسية، أعادت تعريف مفهوم مكافحة الإرهاب، من مجرد مواجهة أمنية إلى مشروع وطني شامل.

المقاربة المصرية: فلسفة دولة لا حلول مؤقتة

وكشف الوزير أن الاستراتيجية المصرية قامت على 4 محاور رئيسة:

أولًا: الحسم الأمني.. ضرب التنظيمات الإرهابية وتفكيك بنيتها التحتية، مع إدراك أن الأمن وحده لا يكفي دون استكمال باقي المسارات.

ثانيًا: تجفيف منابع التمويل ملاحقة شبكات الدعم المالي، داخليًا وخارجيًا، وتجفيف الشرايين التي تغذي الإرهاب.

ثالثًا: التنمية والعدالة الاجتماعية إطلاق مشروعات تنموية كبرى، وخلق فرص عمل، وسد الفراغات الاقتصادية التي تستغلها الجماعات المتطرفة.

رابعًا: المواجهة الفكرية وهو المحور الأعمق والأكثر استدامة، حيث لعب الأزهر الشريف والكنيسة القبطية دورًا محوريًا في تصحيح الخطاب الديني، إلى جانب جهود مرصد الأزهر ودار الإفتاء في تفكيك الأيديولوجيات المتطرفة وتحليل خطابها عالميًا.

الشباب… معركة الوعي أولًا

وشدّد وزير الخارجية من خلال حديثة على أن الدولة وضعت تحصين الشباب في قلب استراتيجيتها، باعتبارهم الهدف الأول للتنظيمات الإرهابية، عبر التعليم، وبناء الوعي الوطني، وتعزيز الانتماء، حتى لا يكونوا فريسة سهلة لدعاة التطرف.

اعتراف دولي بريادة مصر

وفي شهادة دولية لافتة، أشار عبد العاطي إلى أن الاتحاد الأوروبي طلب من مصر المشاركة في رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، ثم طالب بتمديد هذه الرئاسة، تقديرًا للخبرة المصرية، وحرصًا على نقل هذا النموذج إلى دول أخرى تواجه التحديات ذاتها.

من التجربة الوطنية إلى المرجعية العالمية

خرجت من هذا اللقاء، ومن قاعة المؤتمر، وأنا على يقين بأن ما عاشته مصر لم يكن مجرد معركة بقاء، بل تحولًا استراتيجيًا أعاد تعريف مفهوم الدولة القادرة.

فقد نجحت القاهرة في الجمع بين الحسم والوعي، وبين القوة والعقل، وبين الأمن والتنمية، لتقدّم للعالم نموذجًا متوازنًا لمواجهة الإرهاب.

وفي زمن تتعثر فيه تجارب كثيرة، تظل التجربة المصرية واحدة من أنجح التجارب الإنسانية المعاصرة، ليس فقط بما حققته من استقرار داخلي، بل بما قدمته للعالم من دروس، تؤكد أن الإرهاب يُهزم حين تواجهه دولة تعرف من هي، وإلى أين تريد أن تصل.

وفي ختام تصريحات الدكتوربدرعبد العاطي، تتجلى حقيقة راسخة لا تقبل الجدل، أن مصر لم تعد مجرد دولة تستضيف المؤتمرات، بل صارت منصة إقليمية ودولية تُصاغ على أرضها الرؤى، وتُبنى فوقها الشراكات، ويقف عندها قادة ومسؤولون من مختلف دول العالم بإجلال واحترام، انبهارًا بما وصلت إليه من قوة وتنظيم وتقدم شامل. لقد بدت فعاليات المؤتمر انعكاسًا حيًا لمكانة دولة عظيمة، دولة يفتخر أبناؤها بالانتماء إليها، وتفخر الوفود بوجودها على أرضها، حيث بات اسم مصر حاضرًا بقوة في كل محفل، وعنوانًا للثبات والريادة.

عاشت مصر حرة عظيمة، وكل عام وأنتِ أبية، عصية على الانهيار والتفكيك، بفضل قيادة سياسية واعية وعظيمة، واجهت الإرهاب من جذوره، وحاربت منابعه في كل بقعة، وأرسلت إلى العالم أجمع رسالة حاسمة مفادها أن مصر دولة لا تُكسر، ولا تُرهب، ولا تنحني، بل تقود وتصنع الفارق.