الحبُّ المنشود - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحبُّ المنشود - وضوح نيوز, اليوم الاثنين 22 ديسمبر 2025 10:55 صباحاً

هيثم العجم

 

 

 

تُذكّرنا عشية ميلاد يسوع بأن الحب آت، وما بعده سيكون سلام وأمان وسكينة وشعوب مكتفية شرقاً وغرباً، وكرة أرضية تحوّلت إلى ما يُشبه الفردوس ما قبل الصعود إلى الملكوت.
ويستند المؤمنون بذلك السلام الأبدي، إلى ما جاء في أشعيا (6:9): "لأنه يُولد لنا ولد ونُعطى إبناً وتكون الرياسة على كتفه، ويُدعى إسمه عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام"، كما أن يسوع نفسه كان قد علّم قائلاً (متى9:5): "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون".

e38ce3687ea0453da1fdacf4315474d2_210734_لكن مَن يعتقد ذلك، ربما نسي ما فاه به ملك المجد يسوع المسيح ما قبل موته وقيامته وحلول الروح القدس وإرساليته العظمى بأن إنتشروا في الأرض وعمّدوا وبشروا، أنه قال: (متى 34:10) "لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ، مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًاً بَلْ سَيْفًا".
وقد فسّر الرب يسوع كلامه بالقول: "فإني جئت لأفرّق الإنسان ضد أبيه، والإبنة ضد أمها، والكنّة ضد حماتها، وأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ"، ليقول في ما بعد: "مَن أحبّ أباً أو أماً أكثر منّي لا يستحقني، ومَنْ أَحَبَّ ٱبْناً أَوِ ٱبْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلا يَسْتَحِقُّنِي، ومَنْ لا يَحْمِلُ صَلِيبَهُ ويَتْبَعُنِي فَلا يَسْتَحِقُّنِي. مَنْ وَجَدَ نَفْسَهُ يَفْقِدُهَا، ومَنْ فَقَدَ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا".
وبإستثناء أن محبة البشر ليسوع والإقتداء به والموت من أجله، هي في الأولوية، إلاّ أن مقصد الكلام في هذا المقال: كيف يستطيع المرء أن يعيش في ظل حب المسيح وفي الوقت عينه يكون السيف مسلطاً على عنقه؟
لا شك في أن قول المسيح "ما جئتُ لألقي سلاماً بل سيفاً"، هو تنويه إلى الحقيقية المرتقبة والإمتحان الصعب الذي سيمرّ به كل مَن يؤمن به، أو كل مَن يتبعه، من إضطهادات وإزدراء من الناس بصورة عامة، ومن أهل بيته بصورة خاصة. وهنا نجد المسيح المخلّص يضع الناس أمام خيارين: إما أن يقبلوه ويؤمنوا به ويمتنعوا عن عمل الشر وشهوات الجسد، ويسيروا في حياة القداسة، وإما أن يرفضوه ولا يؤمنون به.
فالمسيح لم يأت ليُفرّق العائلات ويُقيم أعضاءها بعضهم على بعض، ولم يأت ليُفرّق الإبن عن أبيه، ولا ليُثير الكنّة ضد حماتها. ولكن المقصود، هو أنه إذا آمن إنسان بالمسيح ولم تؤمن زوجته، كان الإنجيل بمثابة سيف يفرّق الزوجة عن رجلها بسبب الإختلاف في العقيدة، بين المؤمن وغير المؤمن. وعندما قال يسوع هذه الكلمات بأنه جاء ليلقي سيفاً، وأن أعداء الإنسان أهل بيته، إنما كان يُحاول أن يُوضح لهم الصورة التي كانت في أذهانهم، بأنه عندما يأتي يوم الرب ستحدث إنقسامات خطيرة بين أفراد الأسرة الواحدة كما ورد سابقاً، وكأن الرب يقول لجماعة اليهود، إن يوم الرب الذي تنتظرونه قد جاء.
فتعاليم المسيح تدعو الإنسان إلى أن يختار بين نظام الحياة القديمة التي كان يحياها في الخطيئة قبل الإيمان، والتي تربطه بها صلات وعلاقات متنوّعة مع أهل بيته وأصدقائه والناس كافة على إختلاف أنواعهم، وبين متطلّبات الحياة الجديدة التي يستلزمها إيمانه بالإنجيل والسير حسب تعالمه في القداسة والحق والتضحية، فقد يتطلب الإنجيل من الفرد أن يضحّي بكل عزيز لديه في سبيل الرسالة المسيحية، لأن تعاليم المسيح تتطلّب الخضوع الكامل له. فيسوع يقول: "مَن أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني" (متى 37:10-38).
فالإيمان بالمسيح والولاء المطلق، يكون بمثابة سيف في حياة الإنسان المؤمن يجعله في صراع مستمر مع أجناد الشر. فالمسيح جاء ليشهد للحق ويثبّت دعائم المحبة والسلام. فكلامه عن السيف أمر مجازي وهو كناية عن الحرب الروحية التي لا بد من أن تستمر وتشتد في وجه الشيطان وكل أعماله، إلى أن يتغلّب الخير على الشر وتتغلب إرادة الرب الإله على إرادة الشيطان، حينئذ يسود السلام ويعمّ الفرح النفوس والطمأنينة القلوب. وهذا ما قصده المسيح عندما قال: "لا تظنّوا أنّي جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً".
في المحصّلة، تعال أيها الرب يسوع وإملأ الأرض من سلامك المذهل، حيث النور يُشعل القلب ناراً من حبك العجيب، فلا تذوب الأطفال جوعاً وموتاً وإفناء في الحروب المغرضة، بل تحيا النفوس كلُّها بنورك العجيب، فيُمجّدون مجيئك الأول الممهّد لمجيئك الثاني قائلين: "طُوبَى لِلْعُيُونِ الَّتِي تَنْظُرُ مَا تَنْظُرُونَهُ" (لوقا 10: 23).
أهلاً بك أيها الطفل السعيد،
وميلاد مجيد.