زيارة سورية مفاجئة إلى موسكو: إدارة التوازنات في لحظة إقليمية ضاغطة - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
زيارة سورية مفاجئة إلى موسكو: إدارة التوازنات في لحظة إقليمية ضاغطة - وضوح نيوز, اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025 07:30 صباحاً

وصل وزيرا الخارجية والدفاع السوريان، أسعد الشيباني ومرهف أبو قصرة، إلى موسكو أمس الأربعاء، في زيارة لم يُعلن عنها مسبقاً، استُهلّت بلقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعقبته مباحثات سياسية مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. ووفق ما أوردته وسائل الإعلام الروسية، تناولت اللقاءات ملفات سياسية وعسكرية واقتصادية، من دون صدور بيانات تفصيلية، فيما اكتفى الطرفان بعبارات عامة عن "القضايا ذات الاهتمام المشترك" و"تعزيز التعاون".
وخلال الاجتماع مع الوفد السوري، ناقش بوتين مع الشيباني القضايا الثنائية والتطورات الإقليمية، مؤكداً اهتمام موسكو باستقرار سوريا ووحدة أراضيها. وفي تصريحات لاحقة، أشار لافروف إلى أن الجانب السوري عبّر للرئيس السوري عن استعداده لتعميق التعاون مع روسيا، بما يعكس استمرار القناة السياسية على أعلى مستوى. وفي السياق نفسه، أكد الشيباني أن العلاقات السورية–الروسية تدخل عهداً جديداً قائماً على الاحترام المتبادل.
تأتي هذه المحطة في سياقٍ كان يُفترض أن يكون قد استقر سياسياً قبل أسابيع. ففي منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، زار الرئيس السوري أحمد الشرع موسكو والتقى بوتين، في أول زيارة من نوعها منذ توليه الرئاسة، وجرى حينها الحديث عن إعادة تنظيم العلاقة السورية–الروسية بعد مرحلة سقوط النظام السابق. وأعقبت تلك الزيارة محطات متعددة، شملت زيارة لوزير الدفاع، إلى جانب وصول وفد عسكري روسي رفيع إلى دمشق برئاسة نائب وزير الدفاع، ما عزز الانطباع بأن الإطارين السياسي والعسكري للعلاقة قد وُضعا، وأن القنوات باتت تعمل بوتيرة منتظمة.
غير أن توقيت هذه الزيارة جاء متأثراً بتطورات إقليمية متزامنة. إذ استقبلت دمشق، قبل يوم واحد، وفداً تركياً رفيع المستوى ضم وزيري الخارجية والدفاع ورئيس الاستخبارات، وتركزت المحادثات على ملف تنفيذ اتفاق 10 آذار/مارس المتعلق بدمج "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) في مؤسسات الدولة السورية. ولم يُخفِ الجانب التركي قلقه من تعثر التنفيذ، محذراً من أن استمرار الوضع القائم يهدد وحدة سوريا ويطيل أمد عدم الاستقرار شرق الفرات.
وفي الخلفية نفسها، كانت موسكو قد رفعت منسوب خطابها السياسي حيال هذا الملف. ففي تصريحات سبقت الزيارة بأسابيع، حذّر لافروف من مساعٍ أميركية لتعزيز نزعات انفصالية في شمال شرق سوريا، معتبراً أن دعم واشنطن لـ"قسد" لا يقتصر على البعد العسكري، بل يمتد إلى ترتيبات سياسية قد تهدد وحدة البلاد. ورغم أن هذا الموقف ليس جديداً في جوهره، فإن عودته إلى الواجهة جاءت في توقيت يتسم بتعثر المسارات السياسية وضغط المهل الزمنية.

 

بوتين مستقبلاً الشرع في الكرملين، في تشرين الأول الماضي. (أ ف ب)

بوتين مستقبلاً الشرع في الكرملين، في تشرين الأول الماضي. (أ ف ب)

 

ومن زاوية دمشق، لا يُختزل ملف شرق الفرات في معادلة أمنية أو كردية ضيقة، بل يُنظر إليه بوصفه أحد أعقد اختبارات المرحلة الانتقالية: كيفية إنهاء الأزمة من دون مواجهة عسكرية واسعة، ومن دون القبول بصيغ حكم أو آليات تنفيذ تُفرض من الخارج. وفي هذا الإطار، يبرز تقاطع في الخطاب الصادر عن موسكو وأنقرة حيال رفض أي مسار يمكن أن يقود إلى تفكيك وحدة الأراضي السورية، من دون أن يعني ذلك تطابقاً في الأهداف أو وجود تنسيق معلن.
بالتوازي، كانت دمشق تتحرك على خط آخر لا يقل حساسية. فخلال الأيام الماضية، برزت تقارير عن مطالبات سورية للبنان تتعلق بضباط ومسؤولين من الجيش والأجهزة في المرحلة السابقة يقيمون على أراضيه. وتحدثت هذه التقارير عن لوائح أسماء، ومطالب بضبط التحركات أو تعزيز التعاون الأمني، وسط مخاوف سورية من أن يتحول وجود هؤلاء إلى عامل إرباك داخلي أو ورقة ضغط خارجية، ولا سيما في ظل ارتباط بعضهم بكتلة ضباط موجودة في روسيا منذ مرحلة ما بعد السقوط. ويأتي هذا الملف ضمن مسعى أوسع لإغلاق ثغرات المرحلة السابقة وضبط امتداداتها الإقليمية.
كذلك، تندرج هذه الزيارة ضمن مشهد أمني متوتر في الجنوب السوري، حيث تتواصل التوغلات والغارات الإسرائيلية بشكل شبه يومي. وفي هذا السياق، عادت إلى التداول تحليلات تتحدث عن احتمال استعادة روسيا دوراً أمنياً مباشراً، سواء عبر دوريات أو ترتيبات ميدانية، في ظل تضارب الروايات بشأن طبيعة التفاهمات الأمنية بين دمشق وتل أبيب. ولا توجد بيانات رسمية تؤكد هذا المسار، غير أن تداوله يعكس مستوى السيولة الأمنية في الجنوب، ويبرز أهمية الدور الروسي بالنسبة لدمشق في محاولة إحداث توازن نسبي أو توفير مكابح تحدّ من وتيرة التصعيد.
ضمن هذا المشهد المتداخل، تبدو زيارة وزيري الخارجية والدفاع إلى موسكو جزءاً من إدارة مرحلة مزدحمة بالملفات المتزامنة، أكثر مما هي محطة بروتوكولية إضافية. وقد لا ترتبط هذه الخطوة بالعلاقات الثنائية بقدر ما تعكس تداخل سياقات إقليمية متعددة، في مقدمتها التحركات التركية والتصعيد الإسرائيلي، وذلك في لحظة تتقاطع فيها ضغوط الشرق وحساسية الجنوب وملفات ما بعد النظام السابق عبر الحدود، بينما يفضّل الطرفان إبقاء النقاش الفعلي في الإطار المغلق وتأجيل ترجمة التفاهمات إلى خطوات معلنة.
وقد يكون من السابق لأوانه الجزم بما إذا كانت هذه الزيارة ستُترجم لاحقاً بإجراءات ملموسة، سياسياً أو أمنياً. إلا أن المؤكد أن عودة دمشق إلى موسكو بهذا المستوى، وفي هذا التوقيت تحديداً، تعكس محاولة لضبط الإيقاع في مرحلة تتغير فيها الوقائع على الأرض بسرعة تفوق قدرة البيانات الرسمية على الإحاطة بها.