نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العطور في مصر القديمة: تاريخ وجمال عبر العصور - وضوح نيوز, اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025 08:30 مساءً
في قلب الحضارة المصرية القديمة، حيث تلتقي الروح بالجمال، لم تكن العطور مجرد رفاهية عابرة أو وسيلة للتجميل، بل كانت لغة مقدّسة تنطق بها الروح وتتواصل بها الآلهة مع البشر، كانت الرائحة في مصر القديمة جزءًا من الهوية، من الطقس، ومن فلسفة الوجود نفسها، فالمصريون القدماء آمنوا أن العطر هو جوهر النقاء، وأن الإنسان الطيّب تُعرَف طهارته من عبيره، كما تُعرَف قدسية المعبد من بخوره.
لتعرفوا أكثر عن أسرار الجمال انضموا مجانًا إلى قناة تاجك لأسرار الجمال على الواتساب.
منذ آلاف السنين، ارتبط استخدام العطور في مصر القديمة بالروحانية والعبادة، كان الكهنة يتعطّرون قبل دخول المعابد، لأن الرائحة كانت وسيلة للتقرب من الآلهة. وكان يُقال إن “الآلهة لا تُحب الدخان، بل تحب الرائحة الطيبة التي تصعد إلى السماء” ولهذا السبب، كانت المعابد تُغمر يوميًا ببخور المرّ واللبان والعنبر، في طقوس دقيقة تُعبّر عن الاحترام والسموّ الروحي.
لم يقتصر استخدام العطور على الكهنة فقط، بل امتد إلى عامة الشعب، فكل بيت مصري تقريبًا كان يحتفظ بوعاء صغير من الزيوت العطرية، يُستخدم بعد الاستحمام أو في المناسبات. وكانت النساء المصريات يضعن العطور خلف الأذنين وعلى العنق والمعصمين، بينما كان الرجال يدهنون رؤوسهم بالزيوت العطرية بعد حلق الشعر، لتبقى الرائحة تعبّر عن النظافة والبهجة.
عرف المصريون القدماء أسرار النباتات العطرية التي نمت على ضفاف النيل، فقد استخدموا زهور اللوتس كرمز للجمال والنقاء، وكانت من أكثر النباتات تقديسًا لديهم، وكان يُستخرج منها زيت عطري ناعم يُخلط بزيت الجوجوبا أو السمسم، ليُصبح من أثمن الزيوت العطرية في البلاط الملكي والمعابد.
كما استخدموا المرّ واللبان، وهما من الراتنجات التي كانت تُجلب من مناطق بعيدة مثل الصومال واليمن عبر رحلات تجارية عُرفت باسم “رحلة بلاد بونت” كانت هذه المواد تُخلط بزيوت نباتية لتكوين عطور ذات طابع شرقي غني، تمزج بين العمق الحار والدفء الترابي، تمامًا كما كانت تُستخدم في تحنيط الجثث أيضًا لحفظ الجسد وإكرامه بعد الموت.
أما العنبر، فكان نادرًا وثمينًا، يُعتبر عطر الملوك والآلهة، وكان يُستخدم في الطقوس الملكية وفي تحضير عطور خاصة توضع في مقابر الملوك إلى جانب متاعهم في الحياة الأخرى، واعتقد المصريون أن الرائحة الجميلة ترافق الروح في رحلتها إلى الخلود.
عندما نتحدث عن العطر في تاريخ الجمال، لا يمكن تجاوز كليوباترا، الملكة التي حوّلت الرائحة إلى سلاح من سحرها، لم تكن كليوباترا تعتمد على الزينة وحدها، بل على فن الإغواء العطري، تقول الروايات القديمة إنها كانت تملأ قصرها بعبير الزهور والزيوت، حتى يُقال إن الهواء في قصرها كان مشبعًا بعطرها حتى بعد مغادرتها.
أما القصة الأشهر فهي تلك التي تتحدث عن أشرعة سفينتها التي كانت تُغمر بزيت الياسمين قبل إبحارها نحو لقاء يوليوس قيصر أو مارك أنطونيوس. كان عبيرها يسبقها إلى الميناء، فيعرف الجميع أن الملكة القادمة تحمل في طيّات الريح فتنتها قبل أن تصل، لم يكن ذلك مجرد استعراض، بل إدراك عميق لقوة العطر في التأثير على الوجدان والذاكرة.
كليوباترا لم تكن تستخدم عطورًا جاهزة، بل كانت تخلطها بنفسها من الزهور والزيوت، مستعينة بمعرفة الكهنة وصانعي العطور في معبد حتحور في دندرة، حيث كانت صناعة العطر تُعتبر علمًا مقدسًا له أسراره، كان كل مزيج يعبّر عن حالة شعورية: عطر للغواية، وآخر للهدوء، وثالث للسلطة الملكية.
في مصر القديمة، كانت صناعة العطور تُمارَس داخل المعابد الكبرى، خصوصًا تلك المكرسة للإلهة حتحور، إلهة الجمال والموسيقى والحب، كان الكهنة والكاهنات يتبعون وصفات دقيقة، تُسجَّل على جدران المعابد بالهيروغليفية، لتخليد وصفات الخلود العطري.
إحدى هذه الوصفات كانت تُعرف باسم “عطر منديس”، الذي كان يُحضَّر من القرفة والعسل والنبيذ وزيت الزنبق، وكان هذا العطر من أشهر المنتجات التي تُصدّر إلى الخارج، حتى إن الإغريق والرومان كانوا يصفونه بأنه “عطر المصريين الخالد”. كما كانوا يُصنعون ما يُعرف بـ الكون، وهو نوع من الكريم العطري الصلب، يُشكل على هيئة مخروط صغير يوضع فوق الرأس أثناء الاحتفالات، ومع حرارة الجسم يذوب تدريجيًا وينتشر عبيره حول الشخص، كان هذا الابتكار علامة على عبقرية المصريين في الجمع بين الفن والوظيفة في الجمال.
عُرفت مصر القديمة بأنها من أوائل الحضارات التي طوّرت فن تركيب العطور، إذ استخدمت مواد طبيعية نادرة تُستخرج من النباتات والزهور والزيوت الحيوانية، ومع مرور الزمن، تطوّرت هذه التركيبات وأصبحت أساسًا لصناعة العطور الحديثة في العالم.
فيما يلي أبرز العطور والمكوّنات التي استخدمها المصريون القدماء وكيف تطورت عبر العصور:
عطر اللوتس الأزرق (سوسن النيل)
قديماً: كان يُعتبر رمزًا للنقاء والبعث، واستُخرج زيته من زهور اللوتس التي تنمو في مياه النيل، استخدمه الملوك والكهنة في الطقوس الدينية، وكان يُخلط بزيت الجوجوبا أو زيت السمسم لتثبيت الرائحة. اليوم: ما زالت نغمة اللوتس الأزرق تُستخدم في عطور عالمية فاخرة مثل Kenzo Flower وGucci Bloom، لكنها تُحضّر الآن بتقنيات التقطير الحديثة وبإضافة مكونات صناعية تعزز ثبات الرائحة.المرّ واللبان (البخور المقدس)
قديماً: كانا يُحرقان في المعابد كقرابين للآلهة، ويُستخدمان أيضًا كزيوت طبية وجمالية، يتم استخلاصهما من راتنج أشجار تنمو في الصومال واليمن. اليوم: ما زال المرّ واللبان من المكونات الأساسية في العطور الشرقية الفاخرة مثل Amouage وTom Ford Oud Wood، وقد طُوّرت طرق استخراج الزيت منها عبر التقطير بالبخار بدل الغلي، مما يحافظ على نقاء الرائحة.عطر الكافور والنعناع
قديماً: استخدمه المصريون في تحنيط الجثث ولتعطير المنازل، نظرًا لرائحته المنعشة وقدرته على مقاومة البكتيريا. اليوم: أصبح الكافور والنعناع من المكونات المفضلة في العطور الصيفية والمستحضرات المنعشة، ويُستخدمان في عطور مثل Dolce & Gabbana Light Blue وVersace Eros.عطر القرفة والعسل (عطر منديس)
قديماً: كان من أشهر العطور الملكية، مكوّن من القرفة والعسل وزيت الزنبق والنبيذ، استخدمته النساء المصريات لتعطير أجسادهن وشعورهن. اليوم: ألهمت هذه التركيبة العديد من العطور الشرقية الدافئة مثل Yves Saint Laurent Opium وDior Hypnotic Poison، التي تجمع بين القرفة والعنبر والفانيليا.زيت الياسمين الملكي
قديماً: كان يُعتبر “عطر الحب” ويُستخدم في الاحتفالات والأعراس الملكية، كليوباترا نفسها كانت تفضله وتغمر به أشرعة سفينتها. اليوم: لا يزال الياسمين أحد أهم الزهور في صناعة العطور العالمية، خصوصًا الياسمين المصري الذي يُزرع حتى الآن في الفيوم والجيزة، ويُستخدم في عطور فاخرة مثل Chanel No.5 وDior J’adore.العنبر والمسك الطبيعي
قديماً: كان العنبر يُستخرج من البحر الأحمر، بينما يُستخلص المسك من الغزال، وكانا يُستخدمان فقط في عطور الملوك والمحنطين. اليوم: تُستخدم نسخ صناعية من العنبر والمسك في أغلب العطور العالمية للحفاظ على الحيوانات المهددة، كما في Maison Francis Kurkdjian Baccarat Rouge 540 وLe Labo Musc 25.زيت الورد البلدي
قديماً: رغم أن الورد لم يكن من النباتات الأصلية في مصر القديمة، إلا أنه دخل في العصور اللاحقة من خلال التأثير الفارسي والروماني، استخدم لتطهير الجلد وتلطيف المزاج. اليوم: تشتهر مصر، خصوصًا منطقة فايد وقنا، بزراعة الورد البلدي واستخلاص زيته الذي يُستخدم في أشهر العطور الراقية مثل Lancôme Trésor وChloe Eau de Parfum.العطور في مصر القديمة كانت أكثر من مجرد مزيج من الزهور والزيوت، كانت فلسفة حياة، هي الجسر بين الجسد والروح، بين الإنسان والآلهة، بين الحاضر والخلود.
كانت كل رائحة تحمل رسالة، وكل عبير يحكي قصة، من زهور اللوتس التي تفتحت على ضفاف النيل، إلى أشرعة كليوباترا التي نشرت عطرها في الرياح، بقيت مصر مهد العطور التي لا تفنى، لأن عبيرها جزء من التاريخ الإنساني ذاته.