نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نقاش في مشروع الفجوة المالية بعيد عن الأضواء... فهل أصبح خيار بيع الذهب واقعاً؟ - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 26 ديسمبر 2025 03:30 مساءً
دخل مشروع قانون "الفجوة المالية" مرحلة شديدة الحساسية، ليس فقط لأنه يشكل الإطار التشريعي الأول لمحاولة توزيع خسائر الانهيار المالي، بل لأن النقاش حوله انتقل من العلن إلى الغرف المغلقة، حيث تتقاطع الحسابات السياسية مع الوقائع المالية القاسية. فبين ضغط دولي يدفع نحو إقرار القانون بأي ثمن، ومحاولة حكومية لتدوير الزوايا، يقف القطاع المصرفي أمام معادلة وجودية: إما قانون قابل للتطبيق يعيد بناء الثقة، أو تشريع يحمّله التزامات تفوق قدرته ويقضي نهائياً على ما تبقى من النظام المالي.
في هذا السياق، وفي محاولة لتقريب وجهات النظر بين الدولة والمصارف حول مشروع القانون، عقد لقاء بعيداً عن الإعلام جمع إلى مستشار وزير المال سمير حمود، عدداً من النواب، وبعض المقربين من رئيس الحكومة نواف سلام. النقاش كان صريحاً، وتركز على ضرورة تمرير القانون من حيث المبدأ، لكن مع التشديد على واقعية الأرقام.
حمود شدد على أن الإبقاء على المصارف في حالة "مصارف زومبي" عاجزة عن التمويل وعن تحريك الاقتصاد لم يعد خيارا، وأن معالجة الفجوة المالية باتت حتمية. لكن في المقابل، حذر من أن النسخة الأخيرة من المشروع لا تشكل حلاً، بل تعمق الأزمة، ولا سيما من زاوية حقوق المودعين وقدرة النظام على التنفيذ.
الاعتراض الأساسي الذي طرح في اللقاء يتعلق بحجم الكلفة. فبينما جرى التداول سابقاً برقم يقارب 20 مليار دولار لسداد الودائع ما دون الـ 100 ألف دولار، تبين وفق الحسابات الواقعية أن هذا الرقم غير قابل للتحقيق. فحتى في السيناريو الأكثر تفاؤلاً، أي جمع كل السيولة المتاحة، وبيع كامل الأصول، واليوروبوندز، فإن المبلغ الأقصى الذي يمكن تأمينه لا يتجاوز 7 مليارات دولار إضافة إلى الاحتياطي الالزامي الذي يقدر بنحو 9 مليارات دولار بما مجموعه 16 مليار دولار.
هذا التقدير لا يصدر فقط عن المصارف، بل أكده أيضاً حاكم مصرف لبنان، الذي أقر بأن معظم المصارف غير قادرة على تحمل أكثر من 2 إلى 3 مليارات دولار، وأن تحميلها أعباء إضافية سيؤدي إلى انهيارها بدل إعادة هيكلتها. ورغم ذلك، بدا أن الاتجاه السياسي يسير نحو تحميل المصارف القسم الأكبر من الخسائر، في تجاهل تام لقدرتها الفعلية.
اللافت في مسار النقاشات السابقة أن البحث كان قد بدأ بإمكانية خفض الكلفة إلى نحو 16 مليار دولار، قبل أن تعود الأرقام وترتفع فجأة إلى 27 ملياراً. هذا الارتفاع أثار تساؤلات جدية، خصوصاً أن بعض العناصر الأساسية جرى إخراجها من الحسابات، مثل نحو 4 مليارات دولار دفعت بموجب التعميم 158، والتي يقال اليوم إنها خارج كلفة حماية الـ100 ألف دولار.
في المقابل، أضيفت عناصر جديدة رفعت الكلفة مجدداً، أبرزها معالجة "اللولار"، وكأن المودع الذي باعه حصل على قيمة فعلية، في حين أن خسارته لا تزال قائمة. والنتيجة أن حماية سقف الـ100 ألف دولار وحدها باتت تقدر بما بين 6 و7 مليارات دولار، من دون أي وضوح حول مصدر التمويل.
أحد محاور الخلاف يتمحور حول الاحتياطي الإلزامي. فوفق طرح جمعية المصارف، هناك نحو 9 مليارات دولار يمكن استخدامها، لكن مصرف لبنان يرد بأن هذا الاحتياطي غير قابل للتسييل، وأنه يحتاج إلى مساهمة من الدولة لا تقل عن 5 أو 6 مليارات دولار تسدد على أربع سنوات ليتمكن من تغطية حصته.
توازياً، يطرح خيار بيع الذهب، لكن من دون أي قرار سياسي واضح. فالذهب موضوع أساساً كضمانة لإصدارات مالية مستقبلية، وليس مخصصاً لدفع الودائع. وقد عبر نواب حضروا النقاش عن رفضهم القاطع لبيع الذهب من أجل تسديد الـ100 ألف دولار، ما يجعل هذا الخيار عمليا خارج التداول.
أما الحديث عن بيع أصول مثل شركة طيران الشرق الأوسط أو الكازينو أو العقارات، فيبقى مرتبطاً بتسديد سندات مستقبلية (Asset-backed securities)، وليس بإعادة الودائع، ما ينسف فكرة الاعتماد عليها كمصدر تمويل مباشر.
حتى الطروحات التي أخذت طابعاً إنسانياً، مثل احتساب ودائع بعض المودعين بالليرة اللبنانية على سعر 1500 ليرة وضمانهم حتى 100 ألف دولار، وُصفت بأنها عادلة من حيث المبدأ، لكنها تزيد الكلفة من دون أي تحديد لمصادر التمويل. وهنا يبرز جوهر الاعتراض: لا يمكن تشريع حماية من دون تمويل.
المشكلة الأعمق، كما خلص النقاش، أن الحكومة، رغم طابعها التكنوقراطي، تطرح قانوناً لا تملك أدوات تطبيقه. فلا الدولة تحدد مساهمتها، ولا مصرف لبنان يملك القدرة، ولا المصارف قادرة على تحمل أعباء تفوق أصولها. وفي غياب هذا الوضوح، فإن إقرار القانون سيؤدي إلى نتيجة خلاصتها ضرب ما تبقى من ثقة، وتعريض القطاع المصرفي لأزمة سيولة قاتلة، تجعل أي تعامل معه مستحيلاً.
الاستنتاج الذي خرج به المجتمعون واضح. إذ لا يمكن بناء حل على افتراضات، ولا تمرير قانون قائم على أمنيات، وأي معالجة جدية للفجوة المالية يجب أن تقوم على أرقام دقيقة، والتزامات صريحة، وتوزيع واضح للأدوار بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف. من دون ذلك، لن يكون قانون الفجوة المالية مدخلاً للحل، بل تشريعاً جديداً للأزمة، يسرّع الانهيار بدل أن يوقفه.