هل نرى ريالاً سعودياً رقمياً قريباً؟ - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل نرى ريالاً سعودياً رقمياً قريباً؟ - وضوح نيوز, اليوم الاثنين 29 ديسمبر 2025 08:30 صباحاً

يثير الحديث عن احتمال إصدار "ريال سعودي رقمي" أسئلة تتجاوز البعد التقني إلى صميم السياسة النقدية والاستقرار المالي. فالمسألة كما يُستخلَص من تجارب عربية ودولية أخرى لا تتعلق بمواكبة موجة عالمية متسارعة فحسب، بل بقرار سيادي يمس علاقة الدولة بالقطاع المصرفي، وبثقة الجمهور بالعملة، وبموقع المملكة العربية السعودية داخل منظومة خليجية ودولية لا تزال تتعامل بحذر مع العملات الرقمية السيادية.

المعطى المؤكد هو أن السعودية شاركت مبكراً في تجارب العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية، لكن في إطار محدد وواضح. مشروع "عابر" المشترك مع دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي أُطلِق في كانون الثاني/يناير 2019، كان تجربة عملية لعملة رقمية سيادية مخصصة للتسويات بين المصارف، ولاستخدامات عابرة للحدود. لم يُصمَّم هذا المشروع يوماً ليكون عملة رقمية موجهة إلى الجمهور، بل أداة لتحسين كفاءة المدفوعات بين المؤسسات المالية، وهو ما تؤكده وثائقه الرسمية.

لا يمكن فصل هذا الخيار المؤسسي عن طبيعة الاقتصاد السعودي. تمتلك المملكة نظاماً مصرفياً راسخاً، وبنية تحتية متقدمة للمدفوعات الرقمية، وانتشاراً واسعاً لوسائل الدفع غير النقدي. في سياق كهذا، لا يظهر – وفق المعايير الاقتصادية التقليدية – دافع واضح إلى إطلاق عملة رقمية استهلاكية على غرار ما شهده بعض الاقتصادات النامية، علماً أن الأدبيات الدولية تشير كثيراً إلى أن الدول ذات الأنظمة المصرفية المستقرة تكون أكثر حذراً في هذا المجال، خشية التأثير في الودائع، أو في دور المصارف التجارية كوسيط مالي.

خليجياً، لا تبدو السعودية استثناءً. حتى الآن، تبقى الإمارات الدولة الخليجية الوحيدة التي أعلنت إصدار "درهم رقمي" بصفته عملة قانونية في إطار تجريبي، مع ربط واضح بين الإصدار وبين الاستخدام الحكومي والتسويات العابرة للحدود. مع ذلك، تسير التجربة الإماراتية نفسها ضمن مراحل تدريجية ومحدودة، ولا تمثل بعد تحولاً جذرياً في النظام النقدي. أما باقي دول مجلس التعاون، فلا تزال – وفق ما هو معلن رسمياً – في مراحل البحث أو الاختبار أو المتابعة.

 

رمز عملة الريال السعودي. (واس)

رمز عملة الريال السعودي. (واس)

 

عند النظر في التجارب العالمية، يتضح سبب هذا التدرّج. الصين، التي تُعَد الأكثر تقدماً على صعيد الاستخدام التجريبي الواسع لليوان الرقمي، اعتمدت نموذجاً يستند إلى تجارب ميدانية كبيرة الحجم، لكن من ضمن بيئة مؤسسية مختلفة جذرياً، إذ تؤدي الدولة دوراً مركزياً في أنظمة الدفع، فيمكن دمج العملة الرقمية بمنصات قائمة بالفعل. وحتى في هذه الحالة، لا تُقَاس التجربة الصينية بحصة من الكتلة النقدية بقدر ما تُقَاس بحجم المعاملات واختبار الجاهزية.

في المقابل، يعكس المسار الأوروبي نموذجاً أكثر تحفظاً. لا يزال المصرف المركزي الأوروبي يتعامل مع "اليورو الرقمي" كمشروع بعيد الأجل، يخضع لمراحل إعداد قانونية وتقنية دقيقة، مع تأكيد متكرر على أن أي إصدار محتمل سيكون مشروطاً بتشريعات واضحة وضمانات لحماية النظام المصرفي والخصوصية. هذا النهج يُظهِر أن التقدم التكنولوجي وحده لا يفرض بالضرورة الإسراع في الإصدار.

أما تجارب بعض الاقتصادات الناشئة، مثل نيجيريا، فتبرز جانباً آخر من الصورة. على رغم إطلاق الـ"إي-نايرا" رسمياً في عام 2021، بقيت مستويات التبني محدودة وفق تقارير متعددة، ما يدل على أن إصدار العملة الرقمية لا يضمن تلقائياً استخدامها أو نجاحها. تجارب كهذه تُستحضَر في الغالب في النقاشات الدولية بصفتها دليلاً على أهمية الثقة والحوافز والسياق المؤسسي، لا التكنولوجيا فقط.

في ضوء هذه المعطيات، يمكن القول إن احتمالات إصدار "ريال رقمي" سعودي موجه إلى الجمهور تبقى مرتبطة بشروط محددة، لا بجدول زمني معلن. من المرجح أن تستمر المملكة، في المدى المنظور، في التركيز على الاستخدامات المؤسسية والربط العابر للحدود، وخصوصاً في إطار التعاون الخليجي والدولي. وإذا ما طُرِح خيار الريال الرقمي الاستهلاكي مستقبلاً، فسيكون ذلك من ضمن تصميم شديد التحفظ، وتحت سيطرة كاملة للمصرف المركزي، وبهدف دعم الاستقرار النقدي لا تغييره.

الأهم أن النقاش السعودي، كما تعكسه المشاريع القائمة، لا يدور حول "عملة مشفّرة" بالمعنى المتداول، بل حول نسخة رقمية من العملة السيادية، خاضعة للسياسة النقدية وأهدافها التقليدية. وفي عالم تتباين فيه نتائج التجارب، يبدو أن الرهان السعودي لا يستند إلى السبق، بل إلى اختيار التوقيت والصيغة بعناية.