نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العيد حين يُزهر في القلوب قبل البيوت - وضوح نيوز, اليوم الاثنين 29 ديسمبر 2025 10:30 صباحاً
ناهيا أبو ابراهيم - خبيرة علاقات زوجية وتنمية ذاتية
ليست الأعياد مجرد تواريخ تُعلَّق على جدران الذاكرة، ولا أيامًا تُقاس بعدد الزيارات والهدايا، بل هي لحظات إنسانية عميقة تختبر صفاء القلوب وقدرتها على العطاء. فالعيد الحقيقي لا يبدأ بالزينة ولا ينتهي بانقضاء اليوم، بل يولد حين تجتمع الأرواح على المودة، وحين تُطوى صفحات الخلاف ليحلّ محلها السلام الداخلي.
إن البيوت التي تخلو من الدفء العاطفي، مهما ازدانت بالمظاهر، تبقى خاوية من المعنى. فالأعياد بلا عائلة، أو بعلاقات مثقلة بالعتب والضغينة، لا تترك سوى صدى باهتاً في الذاكرة. أما حين تجتمع القلوب قبل الأجساد، فيتحول العيد إلى طقس إنساني يعيد ترميم الأرواح، ويمنح الحياة نكهة مختلفة لا تُشترى.

الأسرة… الجذر الأول للأمان
في حضن العائلة يتشكّل وعي الطفل، وهناك يتعلم أول دروس الحب والانتماء. حين يرى وجوهاً متحابة حول المائدة، ويشعر بدفء الضحكات الصادقة، يتكوّن داخله شعور بالأمان يرافقه مدى الحياة. فالطفولة لا تُبنى على وفرة الأشياء، بل على صدق المشاعر، وعلى لحظات صافية تترك أثرها العميق في النفس.
الأطفال لا يتذكرون تفاصيل الهدايا بقدر ما يتذكرون الإحساس الذي رافقها. فالعيد بالنسبة لهم هو ضحكة صادقة، واحتضان دافئ، وكلمة حب تُقال من دون تكلّف. تلك الذكريات الصغيرة تتحول مع الزمن إلى جذور نفسية تمنحهم الثبات والطمأنينة.
حين يختار الكبار الصفح
أما الكبار، فالعيد بالنسبة لهم فرصة نادرة لمراجعة القلوب قبل الوجوه. هو مساحة للمصالحة مع الذات ومع الآخرين، ولتحرير النفس من أثقال الخصام. يقول الله تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" فالصفح ليس ضعفاً، بل شجاعة روحية، وقدرة على تجاوز الألم من أجل سلام أعمق".
حين نختار التسامح، نمنح أنفسنا أولًا هدية السلام الداخلي، ونفتح نوافذ الفرح ليدخل من دون استئذان. فالعيد لا يزدهر في القلوب الممتلئة بالضغينة، بل في النفوس التي تعلّمت كيف تترك المساحة للنور.
ذاكرة تُبنى… لا تُنسى
كل لحظة نقضيها مع من نحب، كل ضحكة، وكل كلمة طيبة، هي بذرة تُزرع في الذاكرة. ومع مرور الزمن، تنمو هذه البذور لتصبح ظلالاً من الطمأنينة نلوذ بها حين تشتد الحياة. فالأعياد ليست مناسبات عابرة، بل محطات وجدانية نعود إليها كلما احتجنا إلى الدفء.
العيد الحقيقي ليس في ما نرتديه أو نقدمه، بل في ما نُشعر به الآخرين. هو في القلوب التي تصفو، وفي الأيدي التي تتصافح بصدق، وفي العيون التي ترى في الآخر قيمة لا تُقدّر بثمن. فلنصنع من أعيادنا جسوراً للمحبة، وذكريات تُورث الطمأنينة، ورسائل صامتة تقول: هنا بيتٌ يجتمع فيه الحب… وهنا عيد لا ينتهي.