الاستاذ الجندل… رجلُ المواقف النبيلة والإحسان والكرم! - وضوح نيوز

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الاستاذ الجندل… رجلُ المواقف النبيلة والإحسان والكرم! - وضوح نيوز, اليوم السبت 6 ديسمبر 2025 10:50 صباحاً

في زمنٍ تتشابك فيه الصور حتى تتداخل الملامح وتبهت المعاني، يظل في الذاكرة رجالٌ لا يشبهون صخب المرحلة ولا ضوضاءها؛ رجالٌ إذا مرّوا تركوا أثرًا، وإذا غابوا امتدَّ حضورهم في القلوب قبل العيون. ومن بين هذه النماذج المضيئة، يبرز الأستاذ عبدالسلام الجندل، عمدة حي الراكة، رجلٌ حمل المنصب بما يليق من وقار، ثم تجاوزه ليمنحه معنى أعمق وأجمل!
ليس الحديث عن الجندل رواية منصبٍ ولا سردًا لسنوات خدمة، بل هو حديث عن قيمٍ تمشي على الأرض، وعن رجلٍ أدرك مبكرًا أن المسؤولية ليست عنوانًا يُعلَّق، بل رسالةٌ تُؤدَّى، وأن الإنسانية ليست شعارًا، بل معدنٌ يُختبر في المواقف لا في الأوراق.
ثلاثة عقود كان فيها بيت الجندل مجلسًا عامرًا بالناس، وكانت روحه مرآةً لآلامهم، وقلبه أرضًا تستقبل شكواهم. لم يكن يومًا من أوصياء السلطة الذين يرفعون مقامهم فوق حاجات الآخرين، ولم يكن من أولئك الذين يختبئون خلف المكاتب ليحصّنوا أنفسهم من وجع الناس. بل كان على الدوام الرجل الذي يسبق المنصب، والإنسان الذي لا تغلّفه الألقاب.
ولأن السيرة أصدق من الشعارات، كانت حياة الجندل كتابًا مفتوحًا؛ عنوانه البساطة، وفصوله الحكمة، ولغته الإخلاص. كلماتُه كانت تستريح في النفوس قبل أن تصل إلى الآذان، وقراراته كانت تنبع من ضميرٍ عميقٍ لا يعرف الهوى طريقًا إليه. علّم الناس، دون أن يقصد، أن الكرم ليس موسمًا، وأن الإحسان ليس مناسبة، بل هو طبعٌ ورثه عن أصالته، وعادةٌ غذّتها سنوات العطاء.
وفي عصرٍ تخفّ فيه الموازين حتى تتساوى المناصب الثقيلة بالأسماء الخفيفة، وتُعلَّق المسؤوليات على أكتافٍ لا تعرف من الأمانة إلا اسمها، يأتي الجندل درسًا بليغًا: أن المنصب الحقيقي ليس ما يُخطُّ في الأوراق، بل ما يحيا في وجدان الناس. وأن قيمة الرجل تُقاس بما يتركه خلفه من أثر نقي، لا بما يُمنح له من نفوذ أو لقب!
لقد رآه أهل الراكة جارًا قبل أن يروه عمدة، ورفيقًا قبل أن يروه مسؤولًا، وظهرًا يستندون إليه قبل أن يكون مجرد موظفٍ في سجلّ الدولة. لم يعرف يومًا لغة التعالي، ولم يصنع حوله أسوارًا تفصل بينه وبين الناس. ولذلك كانت محبّتهم له صادقة، بسيطة، تشبه صدقه. إن الحديث عن العم الأستاذ عبدالسلام الجندل هو حديثٌ عن الزمن الذي كان الرجال فيه مواقف، لا ظهورًا إعلامية؛ وكانت الكلمات أثقل من الصور، وكانت الأخلاق أكبر من المناصب. هو حديثٌ عن ذلك النوع من الرجال الذين يثبتون أن المروءة لا تفقد بريقها، وأن النبل لا يشيخ، وأن القيم مهما تهشّم العالم تبقى قائمةً على أكتاف من يحملها بإخلاص.
رجالٌ مثل الجندل يعطون ما يستطيعون ثم يمضون، ولكنهم يمضون بوقار الرجال العظام؛ أولئك الذين لا يلوّحون بما فعلوا، ولا يطلبون اعترافًا بجهدٍ أدّوه. يتركون في القلوب أثرًا يشبه نسيمًا نقيًا؛ لا يُرى، لكنه يُحسّ في كل لحظة.
ختامًا… إن الاحتفاء بالأستاذ الجندل ليس احتفاءً بشخصه فحسب، بل هو احتفاءٌ بفلسفة رجلٍ عاش بمنطق النافع لا اللامع، وبفكرة المسؤول الذي يقدّم الخدمة قبل أن يطلب الاحترام، وبروح العطاء التي تشهد أن الخير، مهما تكاثفت الظلال، لا يزال ممكنًا.
رحم الله زمن الرجال الكبار… وحفظ للراكة رجلها النبيل، الذي سيبقى — ما بقيت الذكرى — شاهدًا على أن العظمة الحقيقية تُصنع في البيوت المتواضعة، وفي القلوب البيضاء، وفي المواقف التي لا تُنسى