عن رجل غير طائفي ينتعل حذاء أحمر - وضوح نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عن رجل غير طائفي ينتعل حذاء أحمر - وضوح نيوز, اليوم الأحد 14 ديسمبر 2025 04:25 مساءً

د. منيرة أبي زيد 

قد تظنون أنّ هذه المدينة تنام باكراً لترتاح ولكن هذا غير صحيح على الإطلاق، إذ أنها تغفو لتحلم، لتصبح أخرى في دنيا عابرة للتناقضات. حين تظهر النجوم في السماء السوداء، يخيّم الصمت على المدينة التي تغرق في سبات عميق لتحلم بشاب غير طائفي جالس على كرسي من القش بقرب البحر. إنه ينتعل بلا شك حذاء أحمر، والكل يعرف أن هذا اللون ممنوع في المدينة. ولكن الكل يعرف أيضاً أن الممنوعات تؤجّج الرغبة لتبلغ ذروتها القصوى قتصبح تفجيرية. فماذا يختار، لون الحذاء، أم قانون السماء؟ 

لن يغير هذا الشاب الوحيد حذاءه لأن لونه غير مناسب. هو مقتنع بما يفعل، كما أنه مقتنع باللون الأحمر. هو يتأمّل أمواج البحر بصمت وينتظر قدوم بعض الناس الى اللقاء المتوقع. يمر الوقت ولا يأتي أحد. يخيب أمله. يشعر بحزن عميق، بخيبة، ومن ثم يغرق في تأملاته ويتخيّل أنامل صغيرة بيضاء تخبئ الفودكا في مكان آمن وسري. إنها يدا إمرأة. يدان جميلتان تمزجان الكحول بعصير الليمون في تلك الغرفة الشبيهة بكهف من شدة العتمة الطاغية فيها. تتردد قبل أن تخرج إلى العلن وهي تحمل في يديها الجميلتين عصير الليمون الممزوج بالفودكا. الكل ينظر إليها ليرى أنها تشرب العصير. لا أحد يعرف الحقيقة. أو ربما الجميع يعرف الحقيقة ويتفادى مواجهتها.    

يجري طعم الأحلام في عروقها الحرة ولا أحد يمكنه إخفاء ذلك. قد تختبئ هذه المرأة التي تمتعت بالفودكا في علبة سوداء أو في قفص أصفر، لكنها تدرك أنه هنا وأنه قادم لا محالة. من هو؟ إنه ذلك الرجل المجهول ذو الملامح غير المألوفة.  

دقّت الساعة. إنه منتصف الليل! يحاول الرجل المجهول ذو الملامح غير المألوفة تأخير الساعة، يريد تأخير الوقت أو حتى تجميده. يمسك بالساعة الكبيرة ويسعى جاهداً لإيقاف حركتها. لكنه يعجز عن ذلك، فماذا يفعل؟ الحل الوحيد هو أن يكسر الساعة. لكنه لا يريد أن يلجأ إلى العنف. يسيطر على نفسه لثلاث دقائق قبل أن يعنف الساعة كمن يضرب إمرأة غير منضبطة. يكسرها بقوة ويشعر بفرح عظيم. هو يدرك أن عنفه عبثي وأن الوقت سيمر وأن شعر المرأة سيستمر بالتطاير في الهواء الطلق. فكيف له أن يحكم السيطرة على الساعة، أو على المرأة؟ 

هل هي إمرأة أو ساعة؟ هي بلا شك سيدة رائعة تمشي بشكل غير منتظم على الرمل الحار. تشعر بنشوة عارمة إذا أنها تتحدى الواقع بأفكارها. إنها غير واقعية على الإطلاق، تتمتع بجمال ملائكي وشيطاني في آن، وتضحك من دون توقف. تتسلل الى داخل القلعة في الصباح الباكر قبل أن يستيقظ أحد، قبل شروق الشمس. هي تشعر بالحرية المطلقة. ليس لأن الشمس لم تشرق، وليس لأن المدينة لا تزال غارقة في سباتها العميق. بل لأن والدها لا يزال نائماً. هي ترتعب من سطوته حين يستيقظ حتى لو كان بعيداً عنها. فبالنسبة لها، ينقسم الوقت جزءين؛ ما قبل الساعة الثامنة وما بعدها. ما قبل الساعة الثامنة، يكون والدها نائماً، فتكون حرة بشكل مطلق. أما ما بعد الثامنة فيسكنها الخوف لأنها تدرك أن والدها قد استيقظ. حتى بعد وفاة أبيها، ظلـت تشعر بالرعب عند الساعة الثامنة. لم تتحرّر من هذا الشعور إلا بعدما ذهبت الى مطعم بقرب شاطئ البحر ورقصت.  

في ذلك النهار، كانت الشمس تنير الطرق. توجهت مع صديقاتها الى المطعم حيث رقصن كثيراً. كنّ كلهن محجبات ولكن ذلك لا يهم، إذ أنّ الموسيقى حملتهن إلى عالم آخر. حركة الأجساد تفتح آفاقا جديدة تتجاوز كل الإحتمالات. وحين تعبت هذه الفتاة من الرقص وخرجت من المطعم، وجدت شابا غير طائفي ينتعل حذاء أحمر ويجلس إلى جانب البحر. شعور غريب اجتاحها للمرة الأولى، هي التي لا تعرف ما الرغبة. تحوّل جسدها في لحظة. اقتربت من الشاب وسألته:  

لماذا تنتعل حذاء أحمر؟ هذا ممنوع في المدينة.  
نظر إليها بصمت. قام عن كرسيه وقال:  
كنت أنتظر قدوم الناس إلى اللقاء ولم يأت أحد. 
ربما لأن حذاءك أحمر وهذا لا يجوز، قالت له.  
أنتِ جميلة وحمقاء، قال ذلك وابتعد عنها بخطى متسارعة. حاولت اللحاق به لكنها فشلت. هل ستراه مجددا؟ ربما. حلمت بجسده العاري كل الليل وفي اليوم التالي حين دقت الساعة الثامنة لم تشعر بالخوف. حينها أدركت أنها تحرّرت بشكل من الأشكال.

توجهت إلى شاطئ البحر بحثاً عن رجل غير طائفي ينتعل حذاء أحمر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق