نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القوة الناعمة المصرية.. إنذار هادئ - وضوح نيوز, اليوم الاثنين 15 ديسمبر 2025 10:40 صباحاً
لم تعد القوة الناعمة عنصرًا تكميليًا في سياسات الدول، بل أصبحت أحد مكونات الأمن القومي الشامل، بما تشمله من تأثير على الوعي العام، والهوية الوطنية، والمكانة الإقليمية.
وفي هذا السياق، يفرض المشهد الفني العربي المتغير تساؤلات موضوعية حول موقع مصر ودورها التاريخي في قيادة المجال الثقافي.
لقد مثّل الفن المصري، على مدار أكثر من قرن، أحد أهم أدوات التأثير عربيًا، وأسهم في ترسيخ صورة الدولة باعتبارها مركزًا للإبداع وصناعة الوعي، غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحولات ملحوظة في خريطة الإنتاج والتمويل الفني، تستوجب قراءة هادئة بعيدة عن الانفعال أو الشخصنة.
لا يمكن إنكار أن الاستثمارات العربية في المجال الفني أسهمت في تنشيط بعض القطاعات الإنتاجية، ووفرت فرص عمل ومنصات عرض جديدة، في وقت تواجه فيه الصناعة تحديات تمويلية واضحة، لطالما كانت القاهرة عاصمة للفن العربي، ومحطة رئيسية لاكتشاف المواهب وصناعة النجومية.
واليوم، ومع صعود منصات وفعاليات ثقافية إقليمية جديدة، يصبح التحدي الحقيقي هو كيفية الحفاظ على الدور القيادي المصري في ظل بيئة تنافسية مفتوحة.
انتقال بعض مراكز الجذب الفني خارج القاهرة لا يمثل خطرًا في حد ذاته، بقدر ما يصبح مؤشرًا على ضرورة تطوير البنية الثقافية الوطنية، وتعزيز قدرة المؤسسات المصرية على الاحتفاظ بالمواهب، ومنح الفنان المصري مساحة حركة أوسع دون الارتهان لمنصات خارجية.
الأهم في هذا السياق أن الرموز الفنية المصرية تتمتع بمكانة خاصة في الوجدان الجمعي، إذ تمثل جزءًا من الذاكرة الوطنية والتاريخ الثقافي الحديث. ومن ثم، فإن تناول هذه الرموز في الأعمال الفنية يستدعي قدرًا من المسؤولية، لا بمعنى تقييد الإبداع، بل إدراك السياق الوطني الذي تشكّلت فيه هذه الرموز.
فالدول التي تدرك أهمية قوتها الناعمة تحرص على تقديم رموزها الثقافية بصورة تحافظ على قيمتها التاريخية، وتعزز ارتباط الأجيال الجديدة بها، باعتبارها أحد مصادر التماسك والاعتزاز الوطني.
إن التحدي المطروح لا يرتبط بأطراف خارجية بقدر ما يتصل بالحاجة إلى استراتيجية مصرية شاملة لإدارة القوة الناعمة، تقوم على دعم الإنتاج الفني الوطني، وتعزيز دور المؤسسات الثقافية الرسمية، وتشجيع الشراكات الإقليمية المتوازنة، وحماية الذاكرة الثقافية والرموز الوطنية
فالقوة الناعمة لا تُدار بردود الأفعال، بل بالسياسات طويلة المدى، التي تنظر إلى الفن باعتباره استثمارًا في الوعي والاستقرار المجتمعي.
إن مصر لا تفتقر إلى الموهبة ولا إلى الرصيد الحضاري، لكنها، كغيرها من الدول، تواجه تحديات عصر تتسم بتداخل الاقتصاد بالثقافة، والسوق بالسياسة.
والحفاظ على القوة الناعمة المصرية ليست مسألة ثقافية فقط، بل خيار استراتيجي يرتبط بالأمن القومي ودور الدولة الإقليمي.
ومن هذا المنطلق، يبقى الرهان الحقيقي على قدرة الدولة ومؤسساتها على إدارة هذا الملف برؤية متوازنة، تحفظ الانفتاح، وتضمن في الوقت نفسه بقاء القرار الثقافي المصري مستقلًا، ومعبرًا عن هوية راسخة صنعتها القاهرة عبر عقود طويلة.
اقرأ أيضاً
«مصر نموذج صاعد».. العالم يعيد رسم قواعد التحول الأخضر بأهداف طموحة«الأسبوع» تنظم ندوة بعنوان «الحرب والسلام في اليمن.. الواقع والتحديات» الثلاثاء المقبل











0 تعليق