نزع السلاح مقابل السلام المشروط.. هندسة الاستقرار أم إعادة إنتاج الصراع؟ - وضوح نيوز

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نزع السلاح مقابل السلام المشروط.. هندسة الاستقرار أم إعادة إنتاج الصراع؟ - وضوح نيوز, اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025 07:40 مساءً

لم يعد الحديث عن السلام في الشرق الأوسط يدور حول إنهاء الاحتلال أو معالجة الجذور العميقة للصراع، بقدر ما أصبح مشروطًا بمفهوم واحد يتكرر بصيغ مختلفة: نزع السلاح مقابل الاستقرار. هذا الطرح، الذي يعود اليوم بقوة في الملفين الفلسطيني واللبناني معًا، يكشف عن تحوّل بنيوي في العقلية الأمنية الإسرائيلية وحلفائها، حيث لم يعد السلام غاية سياسية شاملة، بل أداة لإدارة الصراع وضبطه بأقل كلفة ممكنة.

في الحالة الفلسطينية، يجري تسويق فكرة نزع سلاح الفصائل، وعلى رأسها حركة حماس، بوصفها المدخل الإلزامي لأي انتقال سياسي لاحق في قطاع غزة. غير أن القراءة المتأنية لهذا الطرح تُظهر أنه لا يستهدف إنهاء أسباب العنف، بل تحييد أدواته فقط، مع الإبقاء على الواقع السياسي والاقتصادي الهش نفسه. فعندما يُطلب من طرف محاصر، مدمَّر، وفاقد للسيادة، أن يتخلى عن سلاحه قبل أن يرى أفقًا سياسيًا واضحًا وضمانات حقيقية، فإننا لا نكون أمام مشروع سلام، بل أمام مقاربة أمنية لإدارة أزمة مزمنة.

الأخطر أن هذا الطرح لا يقتصر على نزع السلاح، بل يمتد إلى إعادة هندسة المشهد السياسي الفلسطيني، عبر الدفع نحو دمج السلطة الفلسطينية في مراحل مبكرة بوصفها أداة «شرعنة» لا شريكًا وطنيًا متكافئًا. أي أن السلطة تُستدعى لا باعتبارها تعبيرًا عن مشروع تحرري، بل كجهاز إداري- أمني يُمنح هامش حركة محدودًا مقابل ضبط الأرض والسكان. هذا النموذج ليس جديدًا، وقد جرى اختباره سابقًا، وكانت نتائجه مزيدًا من الانقسام وفقدان الثقة، لا الاستقرار ولا السلام.

محمد سعد عبد اللطيف

في لبنان، تتخذ المعادلة شكلًا مختلفًا، لكنها تنطلق من المنطق نفسه. الحديث المتصاعد عن مواجهة عسكرية جديدة مع حزب الله، رغم الإقرار بتراجع قدراته نسبيًا، يعكس ذهنية ترى في السلاح خارج إطار الدولة تهديدًا يجب تفكيكه، إما بالقوة أو بالضغط السياسي، دون تقديم تصور واقعي لشكل الدولة نفسها، ولا لمعالجة اختلالات التوازن التي أنتجت هذا السلاح أصلًا. الأخطر من ذلك أن قرار الحرب والسلم لم يعد قرارًا سياديًا خالصًا، بل بات مرهونًا بتقديرات خارجية، ما يحوّل السيادة إلى مفهوم شكلي، ويجعل الاستقرار الإقليمي رهينة حسابات دولية لا تعبّر بالضرورة عن مصالح شعوب المنطقة.

التجارب التاريخية، في المنطقة وخارجها، تُظهر بوضوح أن نزع السلاح لا ينجح إلا عندما يكون نتيجة لمسار سياسي شامل وعادل، لا شرطًا مسبقًا له. ففي كل مرة فُرض فيها نزع السلاح دون معالجة المظالم الأساسية، عاد الصراع بأشكال أكثر عنفًا، لأن الأزمة لم تُحل، بل جرى تأجيلها. السلاح في هذه السياقات ليس سبب المشكلة بقدر ما هو أحد أعراضها، وأي محاولة لعلاج العرض دون المرض محكوم عليها بالفشل.

وسط هذا المشهد، يبرز سؤال ملحّ: هل تتجه المنطقة نحو حرب واسعة؟

الواقع أن التصعيد المتزامن في غزة ولبنان، واللغة الأمنية المتشددة، يضعان الإقليم على حافة انفجار دائم، لكنهما لا يشيران بالضرورة إلى حرب شاملة وشيكة، بقدر ما يعكسان حالة توازن ردع هش. جميع الأطراف تدرك أن الانزلاق إلى حرب إقليمية واسعة سيحمل كلفة استراتيجية باهظة، وقد يفتح مسارات لا يمكن التحكم في نتائجها.

إسرائيل، رغم تفوقها العسكري، تعلم أن أي مواجهة شاملة على الجبهة الشمالية لن تكون نزهة، وأنها قد تتحول إلى حرب استنزاف طويلة. وفي المقابل، تدرك قوى المقاومة أن حربًا إقليمية مفتوحة قد تستنزف قدراتها وتضيّق هامش المناورة السياسية في لحظة إقليمية شديدة التعقيد، غير أن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في قرار الحرب، بل في سوء التقدير وتراكم الأزمات غير المحلولة. فكل هدنة غير مكتملة، وكل تسوية مؤقتة بلا ضمانات سياسية حقيقية، ترفع منسوب الانفجار المؤجل.

الدور الأمريكي هنا يظل محوريًا، ليس فقط بوصفه ضابط إيقاع للتصعيد، بل كطرف يعيد رسم حدود الممكن والممنوع. إلا أن هذا الدور نفسه ينطوي على تناقض واضح: فهو يمنع الحرب الشاملة حين تهدد مصالحه المباشرة، لكنه يترك الباب مفتوحًا أمام ضربات محسوبة وتصعيد محدود، يُبقي المنطقة في حالة توتر دائم، ويُعيد إنتاج الأزمة بدل حلها.

خلاصة القول، إن ما يُطرح اليوم تحت عنوان «السلام المشروط» ليس سلامًا بالمعنى الحقيقي، بل معادلة ضبط بالقوة: سلاح أقل مقابل حقوق مؤجلة، وسيادة منقوصة، وأمن يُدار من الخارج. قد تُنتج هذه المعادلة هدوءًا مؤقتًا، لكنها تحمل في داخلها بذور صراع جديد، لأن الشعوب قد تقبل بالصبر، لكنها لا تقبل بالتجريد الدائم من أدوات الدفاع دون أفق واضح للعدالة والكرامة.

السلام الحقيقي لا يُبنى بنزع السلاح وحده، بل بنزع أسباب الصراع. وما لم تُدرك القوى الفاعلة هذه الحقيقة، سيبقى الشرق الأوسط يدور في الحلقة ذاتها: هدنة هشة، ثم تصعيد، ثم إعادة تدوير للأزمة باسم الاستقرار.

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية

اقرأ أيضاً
وكالات أممية تحذر من انهيار الاستجابة الإنسانية في فلسطين بسبب القيود الإسرائيلية

البرلمان الأردني يؤكد وحدة الموقف الداعم للقضية الفلسطينية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق