نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أوكرانيا في العتمة: الدولة التي تهزم ظلامها بينما تنهار بنيتها الأساسية - وضوح نيوز, اليوم الجمعة 19 ديسمبر 2025 12:55 مساءً
د. علي حمود
في وقت تواصل فيه القيادة الأوكرانية الصراع المفتوح مع روسيا، تواجه البلاد أزمة طاقة غير مسبوقة. تقارير أميركية، نقلاً عن مسؤولين أوكرانيين وأجانب، تشير إلى أن منظومة الطاقة الأوكرانية على شفا الانهيار الكامل، مع تهديد مباشر بانقطاع الشبكات التي تربط المناطق المختلفة، بينما يقضي سكان العاصمة 16 ساعة يومياً بلا كهرباء، معتمدين على المولدات لتسيير أبسط شؤون حياتهم. هذا الواقع يطرح سؤالاً جوهرياً: كيف تُدار دولة تُصرّ على القتال حتى "آخر أوكراني"، فيما يعيش سكان عاصمتها في عتمة شبه دائمة؟
الحكومة الأوكرانية تتبع منطق الطوارئ والحرب الوجودية، بحيث تُقدَّم الأولويات العسكرية على أي اعتبار اجتماعي أو اقتصادي. في هذا النموذج:
• تُقاس كفاءة الدولة بقدرتها على الصمود السياسي والعسكري، لا بتأمين الكهرباء أو الخدمات.
• يُبرر الخطاب الرسمي العتمة باعتبارها "تضحية وطنية ضرورية"، لتقليص الاعتراض الداخلي موقتاً. لكن هذا النموذج غير مستدام على المدى الطويل، إذ إن شرعية الدولة تتأتى من قدرتها على ضمان الحد الأدنى من الحياة الكريمة، لا من طول مدة الصمود في الحرب.
-الدعم الغربي: أين ذهبت المليارات؟ مليارات الدولارات من المساعدات الغربية لم تنعكس على الواقع الطاقوي بشكل مباشر. الجزء الأكبر ذُهب إلى:
• الدعم العسكري: أسلحة، ذخائر، تدريب ودعم استخباراتي.
• المساعدات المالية لسد عجز الموازنة ودفع رواتب الجيش والقطاع العام.
• دعم طارئ محدود للطاقة، غالباً للإصلاحات الموقتة التي سرعان ما تدمرها الهجمات المتكررة.

تشير البيانات إلى أن الأضرار التي لحقت بقطاع الطاقة تجاوزت 20 مليار دولار حتى نهاية 2024، مع خسائر إضافية في الإيرادات تجاوزت 70 مليار دولار نتيجة الانقطاع المتكرر للتيار، فيما يتطلب إعادة بناء هذا القطاع بالكامل استثمارات جديدة لا تقل عن 67 مليار دولار. هذه الفجوة الضخمة توضح لماذا يشعر كثير من المواطنين أن الدعم الدولي "يمر فوق رؤوسهم" من دون أن يتحوّل إلى واقع طاقوي مستقر.
-انعكاسات الأزمة: من الظلام إلى الاقتصاد والمجتمع أزمة الكهرباء تتجاوز الانقطاع، لتترك آثاراً اجتماعية واقتصادية وسياسية:
• اجتماعياً: يعيش السكان تحت ضغط نفسي وجسدي هائل، تتراجع الخدمات الصحية والتعليمية، وتتسع الفجوة بين من يملك القدرة على تأمين بدائل خاصة ومن لا يملك. كما يتسارع نزيف الهجرة، خصوصاً لدى الشباب والكفاءات المهنية.
• اقتصاديًا: أدى تراجع الطاقة المستقرة إلى انكماش الإنتاج الصناعي، ارتفاع تكاليف التشغيل، خسائر في الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتراجع ثقة المستثمرين بآفاق التعافي الاقتصادي.
تشير التقارير إلى هبوط حاد في الناتج المحلي الإجمالي، مع ملايين يعيشون تحت خط الفقر.
• سياسياً: تتآكل الثقة بين المواطن والدولة، وظهور تساؤلات حيال جدوى استمرار الحرب بالوتيرة نفسها، في ظل ثمن معيشي باهظ وأزمة متكررة في البنية التحتية.
- خاتمة: بين الحرب والحياة أزمة الكهرباء في أوكرانيا اليوم ليست مجرد نتيجة جانبية للحرب، بل مرآة لأزمة أعمق في نموذج إدارة الدولة. فبينما يقدّر العالم الصمود الأوكراني، فإن استمرار الانقطاع الطويل وغير المستدام يمثل اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة على الموازنة بين الدفاع عن السيادة وضمان الاستقرار المعيشي. في نهاية المطاف، تصبح المعادلة واضحة: إما الحفاظ على القدرة العسكرية، وإما الحفاظ على العقد الاجتماعي مع المواطنين. والجمع بين الاثنين يبدو أصعب مع كل ساعة إضافية من العتمة.



0 تعليق